Author

ابتعاث لاقتصاد معرفي

|
عشرة أعوام منذ انطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، الذي انطلق عام 1426 هـ. وقد كان الهدفان الرئيسيان وراء هذا البرنامج، استيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين في ظل محدودية القدرة الاستيعابية للجامعات الداخلية، وثانيها تطوير المخرجات الجامعية بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل. ويجدر بنا أن نذكر هنا أن خطوة الابتعاث تم إقرارها بعد تحليل الفوائد والتكاليف لبرنامج الابتعاث كبديل لتوجيه الميزانيات المخصصة نحو بناء مؤسسات تعليمية داخلية، خصوصا في ظل ضعف المخرجات التعليمية الداخلية على مر الأعوام الماضية. وإذا ما نظرنا إلى الهدف الأول، وهو باختصار زيادة فرص التعليم الجامعي لعدد أكبر من خريجي الثانوية العامة، فيمكن القول إن هذا الهدف قد تحقق بصورة كبيرة، إذ إن عدد المبتعثين قد تضاعف منذ انطلاق البعثات، وحاليا يقارب 150,000، حسب وزارة التعليم العالي. ولكن عند النظر إلى الهدف الثاني وهو تطوير المخرجات، فإن الأمور مختلفة تماما وتطرح عديدا من التساؤلات، من أهمها هل يوجد لدينا معايير محددة مسبقا عن الجودة التي ننشدها من تلك المخرجات؟ وهل تمكن هؤلاء المبتعثون من جسر الهوة الأزلية التي ما زال عديد من الشركات يلوح بها بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل؟ وقبل التفكير في الإجابة عن أي من الأسئلة المطروحة أعلاه، نذكِّر بحقيقة بينة في قطاع الأعمال، وهي أن الشركة التي لا تمتلك المعلومات التي تحتاج إليها، يصعب عليها الوصول إلى قرار صائب. فمثلا، الشركة المقبلة على اتخاذ قرار استراتيجي بخصوص إحدى عملياتها، تحتاج إلى عديد من المدخلات، من أبرزها، تحليل مالي قوي، مدخلات تسويقية، ومدخلات من قسم العمليات. وكذلك فإن الجهة التشريعية لا يمكنها الوصول إلى قرار تشريعي حاسم وفعال دون أن تكون لها بياناتها الخاصة التي يمكنها الاعتماد عليها، وكذلك الحصول على المدخلات المطلوبة من الجهات الأخرى ذات الصلة. وبالعودة إلى مخرجات برنامج الابتعاث، فإننا حتى الآن لا نعلم أين ذهبت كل هذه الأعداد الهائلة منهم، وما نسبة الخريجين التي حققت إضافة حقيقية وتمكنت من الدخول إلى المناصب القيادية أو المناصب التي تتطلب مهارة تقنية عالية بعد سنوات من التدرج الوظيفي، أو بمعنى آخر نسبة الخريجين التي حققت الجودة الوظيفية. ما نعرفه من خلال الإحصاءات أن مشاركة العمالة الوافدة من إجمالي القوى العاملة هي 52 في المائة، منها نسبة لا يستهان بها من العمالة غير المؤهلة. وإذا افترضنا أن نسبة العمالة المؤهلة تبلغ 30 في المائة حسب بعض التقديرات، فما نسبة الخريجين القادرين على شغل تلك الوظائف؟ وما أبرز المعوقات التي تحول دون توظيفهم فيها؟ كما يجب أن نبحث في أسباب عدم شغل تلك المناصب من قبل المخرجات المؤهلة، وهو بالطبع بحث آخر نفرد له مساحة خاصة في طرح قادم ـــ بإذن الله. وفي ظل الإعلان المتكرر من قبل وزارة الاقتصاد والتخطيط عن تحول وشيك للمملكة إلى الاقتصاد المعرفي، فإن هذا التحول سيستغرق عددا من السنوات، ولا شك أنه سيتطلب زخما كبيرا من الموارد البشرية المؤهلة، التي من المؤكد أن تكون نسبة كبيرة جدا منها من مخرجات برامج الابتعاث. ولكن إذا لم نتمكن من الوقوف على جودة تلك المخرجات ومدى ملاءمتها لهذا التحول بكل تحدياته، فكيف يمكننا الجزم يقينا بإكمال التحول في فترة زمنية محددة؟ إننا لا نشكّ في أن قرار انطلاق برامج البعثات كان خطوة محورية ومعلما بارزة على الخريطة التعليمية الداخلية، فالاستثمارات في الموارد البشرية المحلية هي من أهم مقومات نهضة الشعوب والأمم وتحقيق الأهداف التنموية، ولكن هذا الاستثمار الذي ضخت فيه الدولة مبالغ مهولة، متوقع أن يعود بالعائد المجزي الذي يبرر اتخاذ القرار الاستثماري بدلا عن بدائل أخرى متاحة. ولكن هذا الاستثمار شأنه شأن أي استثمار ما لم تتم إدارته بالطريقة التي تؤدي إلى تحقيق أهدافه النوعية قبل الكمية، فإنه سيكون كباقي الاستثمارات التي بتنا حتما نعرف مآلها.
إنشرها