Author

شركات المحاماة والاستشارات النظامية

|
مهنة المحاماة في المملكة مهنة حديثة نسبيا، وهي كغيرها من المهن الحرة ما زالت غير جاذبة لكثير من الشباب السعودي؛ نظراًً لمشكلات تدور حول اقتصاديات هذه المهنة ومشكلات في هيكل السوق، والمشكلة الأساس التي تواجهنا في التعامل مع المهن الحرة، أننا حتى الآن لا نهتم بالخلفية الاقتصادية التي تُُبنى عليها المهن الحرة، وطريق تحديد الأتعاب، والتنافسية في السوق ومستويات الجودة والآثار المترتبة على كل ذلك. وهذا في كل المهن الحرة لدينا بلا استثناء فلم نزل بعيدين تماما عن إيجاد توازن بين الجانبين عندما تصدر اللوائح والأنظمة. وهذه إشكالية قديمة متجددة، فلقد مررنا بتجربة الباب المفتوح للمهنة الحرة، فكل من لديه رغبة يستطيع العمل بغض النظر عن أي اشتراطات، ثم بدأت مرحلة تصحيح لهذا الوضع مع تطوير اشتراطات الالتحاق بهذه المهن، وشروط تتعلق بمستوى المعرفة والمهارة. لكن يظهر أننا والأنظمة لم نراع قضايا السوق واقتصاد المهن عندما وضعنا هذه الاشتراطات. أخيرا صرح رئيس لجنة المحامين في غرفة الشرقية بأن هناك أكثر من 50 شركة استشارات ومحاماة أجنبية مخالفة تبرم عقودا تتجاوز مليار ريال سنويا، وهي تستغل أسماء بعض الشركات العملاقة الأمريكية والأوروبية لتحصل على عقود ضخمة من شركات في السوق السعودية تتضمن عقود استشارات واندماجا وتخصيصا. فتصريح مثل هذا يعد خطيرا بكل المستويات وهو يقودنا إلى المربع الأول، وهل فعلا هناك رؤية واضحة لاقتصاديات المهن الحرة في المملكة، وهل هناك فلسفة واضحة في التعامل معها. فمن المقلق حقا أن تكون هناك مكاتب محاماة "تستغل" أسماء بعض الشركات الأمريكية والأوروبية والعملاقة في الوقت نفسه، وتحصل من خلال ذلك على عقود ضخمة، هذه عبارة مقلقة من جوانب عدة لعل أهمها تتعلق بأخلاقيات المهنة، والرقابة على الأداء، ومنها ما يتعلق بالتأثير في السوق وإليه المنافسة، ثم المسؤولية عن الأعمال. والأكثر قلقا هو دور الشركات العالمية، ذلك أن المؤشرات تدل على تورط الشركات العالمية نفسها، فكيف لا تعرف بمثل هذا الاستغلال، وإذا كانت هذه الشركات العالمية تعلم فإن القضية أشد خطورة. المخاطر تتفاقم بهذه الصورة من جانبين، الأول ولعله الأقل خطورة هو التأثير في اقتصاد السوق من حيث حجم المنافسة والضغط على المكاتب المحلية المرخصة والنظامية لتقبل بأتعاب أقل بكثير من التكلفة وهو ما يشبه الإغراق والهدف النهائي منه هو إخراج المكاتب الوطنية من السوق، أو إجبارها على أن تبقى صغيرة. الجانب الآخر وهو الأشد خطورة أن تكون المسألة ليست مجرد دخول السوق بطريقة غير نظامية، بل تقديم استشارات تتعلق بأعمال شركات تعمل في السوق، وقد يكون بعضها شركات مساهمة أو شركات تريد التحول إلى شركات مساهمة، وهناك رغبة في عدم تحمل المسؤوليات. فهذه المكاتب غير النظامية وغير المرخصة تقدم استشارات "بأسماء عالمية" تتعلق بالاندماج في بعض الأحيان أو الترخيص لعمل معين أو دخول مجال معين، ثم عند التورط في قضايا أو الانكشاف على المخاطر، فإنه من الصعب معرفة من المسؤول على وجه الحقيقة. وإذا كانت الحال هذه، فإننا يجب أن نقر بأن هناك ثغرات كبيرة في أنظمة المهن الحرة بشكل خطير سمح لمثل هذه الشركات أن تدخل السوق وأن تعمل فيه بكل هذه الحرية، بل إن تستخدم أسماء لشركات عالمية أجنبية، تسوق نفسها من خلالها. لا بد أن نعترف بأننا بحاجة إلى إعادة دراسة المهن الحرة بشكل كامل لمعرفة أين الخلل، أين القصور؟ وكيف نسد الثغرات، ولعل هذه مسؤولية مجلس الشورى. وإذا كانت هذه الحال في مهنة قانونية نظامية تهتم بالنظام والتدخل فيها بمثل هذه الخطورة والأهمية فماذا نقول عن مهن حرفية، مثل السباكة والكهرباء والأعمال الإنشائية وغيرها من المهن الحرفية الأخرى؟
إنشرها