Author

الموظف المميّز الذي دمّر شركته

|
في خريف عام 1975 طلب رئيس وحدة الأبحاث الإلكترونية في شركة كوداك لصناعة الكاميرات من موظفه، المهندس ستيفن ساسون أن يقوم بمحاولة بناء كاميرا إلكترونية بمساعدة جهاز الشحن المزدوج؛ للاستفادة منها في مجال الأبحاث أو مصنع الشركة. كانت المهمة الملقاة على كاهل المهندس الشاب ثقيلة. فلم يكن أمامه سوى النجاح في هذه المهمة إذا كان يريد البقاء في هذه الشركة العظيمة، التي يتوق أي مهندس للعمل فيها، وقتئذ. كان ساسون يظل في مختبر الشركة ساعات طويلة خارج الدوام كي ينجح في الوصول إلى نموذج أولي ينال قبول رئيسه وزملائه في مركز الأبحاث. بعد محاولات شاقة تمكن ساسون من صُنع كاميرا رقمية بدقة تبلغ 0.01 ميجا بكسل ووزن يصل إلى 3.6 كيلو جرام. وتستغرق عملية ظهور الصورة (أسود وأبيض) 23 ثانية؛ كانت الكاميرا فتحاً كبيراً. احتفل به رئيسه كثيراً. قام بترقيته ومساعدته في الحصول على براءة اختراع لها عام 1978. عرض رئيسه الكاميرا على الإدارة التنفيذية في الشركة، ووافقت على دعم الأبحاث الأولية الخاصّة بتحويلها إلى منتج مستقل. بعد سنوات من العمل على تطوير هذه الكاميرا رأت الشركة الانصراف عنها؛ نظرا للتكلفة العالية لإنتاجها، وكذلك لأنه قد يضر بالمنتج الرئيس الذي تقدمه الشركة، وهي الكاميرات التقليدية التي تتطلب الأفلام والتحميض الذي تمتاز به الشركة. توقفت "كوداك" عن تطوير هذه الكاميرا؛ لكن كثيراً من الشركات الأخرى استثمرتها. استفادت "سوني" وغيرها من الشركات من كاميرا ساسون، التي دعمتها "كوداك" وأنتجت كاميرات أكثر حداثة وأصغر حجماً. بدأت هذه المنتجات تدريجياً تهز عرش "كوداك" وكاميراتها وأفلامها. في بداية عام 2000 أحسّت "كوداك" بخطورة الوضع فعادت إلى مشروع الكاميرا الرقمية، التي اخترعها ساسون في مختبرها. لكن الوقت كان متأخراً جداً. في هذا الوقت ظهرت تقنيات جديدة ومشاريع ضخمة وكاميرات حيوية بدأت تلامس الناس وتجذبهم. أفلست لاحقاً "كوداك" بعد 100 عام من الإنجازات. وتمّ تكريم ساسون عام 2009 في البيت الأبيض بعد نحو ثلاثة عقود من اختراعه. رغم الفرح الكبير الذي يعيشه ساسون بمشاهدة اختراعه يستفيد منه القاصي والداني والتكريم الدولي الذي يناله إلا أن هناك حزناً عميقاً يسكنه؛ كونه أحد أسباب إغلاق الشركة التي أحبها. لكن الدرس القاسي الذي يجب أن نتعلمه من "كوداك"، هو أن فوزك ليس باقتناص الفكرة؛ بل في توظيفها. الفكرة كالسهم قد تفوز به أو تُقتل به. مهمة شاقة أن تعثر على ما تحب. لكن الأكثر مشقة هو أن تحافظ عليه في زمن يعج بالتحديات والمنافسين والمتربصين.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها