العالم

حركة طالبان .. طريق «المدرسة» المضرّج بالدماء من أفغانستان إلى باكستان

حركة طالبان .. طريق «المدرسة» المضرّج بالدماء من أفغانستان إلى باكستان

حركة طالبان .. طريق «المدرسة» المضرّج بالدماء من أفغانستان إلى باكستان

يوم دام جديد عاشته باكستان إثر هجوم لطالبان على مدرسة عسكرية في بيشاور أسفر عن مقتل نحو 150 شخصا، معظمهم من الأطفال. وتسلط هذه الهجمات التي تبنتها حركة "طالبان باكستان" الضوء على تاريخ طويل، وفي أغلب الأحيان مبهم من الإرهاب مع تداخل نشاط الفرعين الباكستاني والأفغاني لحركة طالبان. "فقد هدفت حركة طالبان من خلال هذا الهجوم المروِّع إلى إظهار أنها لا تزال قادرة على العمل والتحرك بحرية وإلحاق الأضرار الجسيمة" وفق ما تحدث به لـ"الاقتصادية" في اتصال هاتفي الصحافي الباكستاني زاهد حسين صاحب كتاب "ذيل العقرب .. تنامي المقاتلين الإسلاميين في باكستان – وتهديداتهم لأمريكا". باتت باكستان منذ عام 2008 من أكثر البلدان الواقعة في مرمى الإرهاب، فهي تأوي حركة "طالبان الباكستانية" التابعة لحركة "طالبان الأفغانية"، والموجودة أساسا في منطقة وزيرستان. انخرطت حركة "طالبان الباكستانية" مع عدد من الجماعات الأخرى التابعة لها في حرب أهلية بدأت بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، وأودت في غضون 10 سنوات بحياة ما لا يقل عن 50 ألف شخص. ومنذ أن رأت هذه الحركة النور في عام 2007، تركت بصماتها على سلسلة طويلة من الهجمات القاتلة في مدن باكستانية عدة. #2# وقد استهدفت أساسا الأجهزة العسكرية والاستخباراتية، التي اعتبرتها "عدو باكستان" الذي تتلاعب به قوات أجنبية. "تلتقي هذه المجموعة إلى حد ما على المدى البعيد مع حركة طالبان الأفغانية حول الغايات نفسها، وقد أقسمت الولاء لهذه الأخيرة، إلا أن حركة طالبان الباكستانية أخذت على عاتقها أيضا مهاجمة الجيش الباكستاني والدولة والمدنيين مخلفة وراءها أثارا مدمرة طوال العقد الماضي" وفق دانيال ماركي خبير متخصص في نشاطات حركة طالبان الباكستانية وزميل أعلى في مركز مجلس العلاقات الخارجية (Council of Foreign Relations). وقد اعتُبرت الحركة مسؤولة عن مقتل رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو، وإطلاق النار على طالبة شابة وأخيرا على ناشطة حقوق الإنسان ملالا يوسف زي، فضلا عن تفجير فندق الماريوت في إسلام أباد، وغيرها من الأعمال الإرهابية. ويشير حسين "إلى أنه على الرغم من أن حركة طالبان الباكستانية وحركة طالبان الأفغانية تتشاركان العقيدة نفسها، غير أنهما تختلفان في الأهداف". فحركة طالبان الأفغانية هي المنظمة التي كانت مسيطرة على أفغانستان حتى وقوع هجمات 11 أيلول (سبتمبر). "وثمة معلومات تشير إلى أن بقايا المنظمة وزعيمها الملا عمر، قد اتخذوا من باكستان وعلى الأرجح من منطقة بلوشستان مقرا لهم. فضلا عن ذلك، عديدة هي المنظمات التي أعلنت ولاءها لحركة طالبان منها: شبكة حقاني، الموجودة في الشمال في وزيرستان الشمالية، وأيضا داخل باكستان"، وفق ماركي. مع ذلك، تبقى حركة طالبان الأفغانية أولاً وأخيرا أفغانية المنحى، وتركز أساساً على ساحتها الداخلية؛ أي أنها لم تحول بندقيتها على الدولة الباكستانية أو شعبها. ما يفسر الانتقاد الذي وجهه ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حركة طالبان الأفغانية، للهجوم الذي استهدف المدرسة العسكرية في بيشاور. شهد تطور هاتين الجماعتين منحى مختلفا على مر الزمن وخلال العام الماضي، تم إضعاف حركة طالبان الباكستانية إلى حد كبير، وفقدت كثيرا من قوتها بعد أن كانت منظمة جامعة، وحدت تحت لوائها في حرب ضد الدولة الباكستانية عشرات الجماعات التي سارت على خطى الطالبان في المناطق الحدودية الباكستانية فضلا عن الجهاديين الأفغان. غير أنه وفي بداية العام الجاري، أطلقت الحكومة الباكستانية محادثات سلام مؤقتة مع الحركة تم تعليقها بعد هجومين كبيرين على أكبر مطار في باكستان في كراتشي في شهر يونيو (حزيران)... ومنذ ذلك الحين، قام الجيش الباكستاني بشن هجوم بري عنيف هدف إلى التخلص من الحركة ومن مسلحين آخرين في المناطق القبلية شمالي غربي باكستان غير الخاضعة لسيطرة الدولة. حققت هذه العمليات نصرا تكتيكيا كبيرا، ونجحت في إضعاف آلة الإرهاب بعد أن حدت من المنطقة التي يتنقل فيها المجاهدون ومن إطار عملهم. كما أدى هجوم طائرة بدون طيار تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية شمالي وزيرستان إلى مقتل الزعيم الثاني لطالبان الباكستانية، فضل الله محسود. "فشل حكيم الله الذي خلفه في فرض سيطرته على المجموعة بما أنه أولا لم يكن عضوا في قبيلة محسود، التي نشأ منها اثنان من أوائل قادة طالبان الباكستانية، ذلك أن التبعية القبلية تلعب دورا أساسيا في المنظمة. فضلا عن ذلك، أدت هجمات الدولة الباكستانية إلى تصدع داخل طالبان الباكستانية"، وفق حسين. وعليه، أنشأ عمر خالد الخراساني، زعيم فئة من الطالبان التابعة لجماعة "مهمند" القبلية والموجود في أفغانستان، مجموعة منشقة أطلق عليها اسم "تحريك طالبان - جماعة الأحرار". لذلك، قد يكون الهجوم الإرهابي في بيشاور جاء كرد فعل عنيف على الحملة التي شنت ضد طالبان الباكستانية. وتأكيدا على ذلك، أصدرت حركة طالبان الباكستانية بيانا أعلنت فيه أن الهجوم مبرر؛ لأن الجيش الباكستاني منذ فترة طويلة يقتل أطفال وأسر "مقاتليها الأبرياء". ومن خلال مهاجمة المدرسة، اختارت الحركة أضعف الأهداف في المعسكرات العسكرية. إلى ذلك، أشارت تقارير إعلامية إلى أن المهاجمين جاءوا من جميع الأنحاء مع احتمال مشاركة مقاتلين أوزبكيين، ما يدل على تورط الحركة الإسلامية الأوزباكستانية، التي تعد من الجماعات الجهادية الأكثر تطرفا، والتي فر أعضاؤها من أفغانستان بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) واستقروا في المناطق القبلية في باكستان. كما يشتبه في أن المقاتلين الأوزبك مسؤولون أيضا عن الهجوم على مطار كراتشي، وفق ماركي. من ناحية ثانية، قد يكون الانتقام وراء المذبحة الأخيرة في بيشاور، إذ وجهت أصابع الاتهام إلى جهاز المخابرات الأفغانية. وبينما لا يوجد دليل حسي قاطع على تورط الاستخبارات الأفغانية في هذا الهجوم، إلا أن قادة كل من طالبان الباكستانية و"تحريك طالبان - جماعة الأحرار" يتواجدون في أفغانستان. وقد قدمت المخابرات الأفغانية الدعم لكلا الفريقين، شمل شن هجمات انتقامية في المدن الباكستانية ردا على هجمات في أفغانستان نسبت إلى الاستخبارات الباكستانية. وفي الأسابيع الأخيرة، شهدت كابول عددا من الهجمات الإرهابية. إلى ذلك، ليست المخابرات الأفغانية وحدها التي تشارك في اللعبة الخطرة مع طالبان، ذلك أنه وفقا لمركي، فإن الحكومة الباكستانية تدعم طالبان (الفرع الأفغاني)، وغالبا ما توفر ملاذا آمنا لها في المناطق الحدودية. "وعلى الرغم من أن الاستخبارات الأفغانية تقدم الدعم لحركة طالبان الباكستانية، من المستبعد أن يكون لها يد في التفجير الأخير" وفق حسين. لا شك أن اللعبة الاستخباراتية على جانبي الحدود الأفغانية-الباكستانية ستكون كلفتها باهظة، تمثلت أولى دفعاتها في الهجوم الدموي الأخير. والجدير ذكره أن حركة طالبان الأفغانية تخوض لعبة مزدوجة، إذ تحافظ على علاقاتها داخل الاستخبارات الباكستانية وتؤمن في الوقت نفسه لحركة طالبان الباكستانية التدريب والتمويل، وأحيانا حتى المقاتلين. لم تتوانَ حركة طالبان الباكستانية وحركة طالبان الأفغانية عن استغلال الخلافات بين الاستخبارات الأفغانية والاستخبارات الباكستانية، ما ساهم بشكل غير مباشر في هجوم بيشاور الماضي. وبالتالي لا بد لهذين البلدين من إرساء سياسة فعالة لنزع الشرعية عن العنف الجهادي ضد الدولة الأخرى، والأكيد أيضا أن العمليات العسكرية وحدها لن تجعل باكستان أكثر أمانا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم