Author

انخفاض أسعار النفط هل أصبح خطرا على الدول الصناعية؟

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
في تقرير نشرته "رويترز" بتاريخ 17 كانون الأول (ديسمبر) 2014: "حذر بنك إنجلترا المركزي من أن هبوط أسعار النفط قد يغذي التوترات الجيوسياسية، ويؤدي إلى تخلف شركات الغاز والنفط الصخري في الولايات المتحدة عن سداد الديون ويزعزع توقعات التضخم في منطقة اليورو. وفي تقديراته نصف السنوية للمخاطر المالية العالمية قال بنك إنجلترا "إن قلق السوق من استمرار تباطؤ النمو والمخاطر السياسية تزايد على مدى الأشهر الستة الأخيرة"، وحذر من أن المستثمرين قد يتخلصون من الأصول عالية المخاطر. وقال التقرير "إن هبوط أسعار النفط نحو 40 في المائة منذ حزيران (يونيو) يعد أمرا جيدا للنمو، لكنه قد يغذي مخاطر جيوسياسية معينة، إذا استمرت الأسعار منخفضة". لا شك أن التقلبات عموما للأسواق لا تخدم مصالح الأطراف المختلفة، فالارتفاعات الكبيرة غير المبررة في ظروف معينة لا تخدم المنتجين، وقد تكون هي سبب الأزمة التي تعيشها الأسعار المنخفضة اليوم للنفط، رغم جهود الدول المصدرة للنفط وعلى رأسها المملكة في السعي إلى استقرار الأسعار في إطار مقبول، كما أن الانخفاض الشديد يمثل قلقا للدول المنتجة، فهي وإن كانت تستفيد مؤقتا من هذا الانخفاض إلا أن ذلك قد يكلفها الكثير في المستقبل. فالدول الصناعية اليوم وبعد الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط استثمرت كثيرا في إنتاج الطاقة من خلال الوسائل البديلة خصوصا الغاز الصخري في الولايات المتحدة ودول أخرى حول العالم، كما شجع ذلك الدراسات والبحوث في مجال الطاقة المتجددة التي تسعى كثير من دول العالم إلى الاعتماد عليها جزئيا لتتمكن من إحلالها مستقبلا كبديل منافس فعليا للمصادر التقليدية التي سيطرت على سوق الطاقة خلال عقود ماضية، ولا شك أن الانخفاض الحالي للأسعار قد يكون له أثر كبير في تأخير طموح كثير من الدول الصناعية لتسريع نتائج هذه المشاريع، بل من الواضح من خلال التقرير أنه يوجد قلق من عدم قدرة شركات استخراج الغاز الصخري على تسديد ما عليها من ديون، ما قد يحدث أزمة في سوق الائتمان، خصوصا أن العالم لم ينسَ بعد أزمة الرهن العقاري التي ما زال يعاني آثارها. في التحذير السابق أشار البنك المركزي البريطاني إلى قضية مهمة تتعلق باستقرار سوق النفط على المستوى السياسي، إذ إن القلق من الأزمة في المنطقة العربية قد يسوء في حال استمر الهبوط في أسواق النفط، حيث إن بعض المتابعين يرى أن الانخفاض الحاصل في أسواق النفط هو برغبة لبعض الدول، بهدف فرض الاستقرار في المنطقة، وذلك من خلال الحد من إمكانات بعض الدول التي تدعم تأجيج الصراع في المنطقة وتدعم جهات تمرد وأنظمة قمعية في المنطقة، ورغم استمرار وطول أمد الأزمة إلا أن الارتفاع في الأسعار ساعد ذلك على زيادة قدرات تلك الدول الاقتصادية رغم معاناتها الاقتصادية داخليا بسبب المبالغة في الإنفاق على دعم تلك الأنظمة والحركات، ما زاد من حدة الأزمة في المنطقة وسوء الظروف المعيشية والأمنية في بعض دول المنطقة العربية، واستمرار حالة عدم الاستقرار لتلك المناطق، إلا أن بنك إنجلترا المركزي خالف هذه النظرة، معتبرا أن الاستمرار في الانخفاض يغذي التوترات الجيوسياسية في المنطقة النفطية، ولعل السبب في ذلك أن الدول التي تدعم الاستقرار في المنطقة ستواجه مشكلة في استمرار تقديم الدعم، والدول التي تدعم الأنظمة القمعية وحركات التمرد في المنطقة ستقلص دعمها أو تنهيه بما يؤدي إلى صراع أكثر سوءا بسبب أن الصراع سيكون على الموارد وشيوع حالة الاقتتال من أجل الحصول على الحد الأدنى من حاجات الأفراد في تلك المناطق، ما قد يؤدي إلى صراع على موارد محدودة لا يُعلم حجم الدمار الذي سينتج عنه، ومن ثم قد يؤدي ذلك إلى أزمة في المنطقة تشعل أسعار البترول إلى مستويات قياسية جديدة. هذا السيناريو قد يكون محتملا، وهذا ما يجعل الدول الصناعية أكثر قلقا، واستقرار الأسعار عند مستويات معقولة سيكون له أثر في ميل المنطقة إلى أن تعيش ظروفا سياسية أفضل. فالخلاصة أن مسألة الاستقرار في أسعار النفط تحقق مصلحة مشتركة لكلا الطرفين سواء المستوردون أو المصدرون، إذ إن الانخفاض المؤقت يمكن أن تنتج عنه نتائج سلبية على المستوى الاقتصادي، خصوصا الدراسات والأبحاث ومشاريع إنتاج بدائل الطاقة التقليدية، وعلى المستوى السياسي الذي قد ينتج عنه أن تكون الأزمة السياسية أكثر تعقيدا، سواء في المنطقة العربية أو أزمة روسيا مع أوكرانيا.
إنشرها