Author

هل هناك حاجة إلى وزارة التجارة والصناعة؟

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
نعم أتفق معكم أن مثل هذا العنوان صادم إلى حد بعيد، خاصة أن وزير التجارة والصناعة رجل وطني حريص ومجتهد، لكن المسألة ليست الوزير بل الوزارة نفسها. هل هناك حاجة إلى هذه الوزارة فعلا؟ سؤالي المباشر هو ماذا تفعل هذه الوزارة حاليا بعد أن تم تفتيتها إلى عشرات الهيئات. فهناك هيئة المواصفات والمقاييس هي المسؤولة عن ضبط جودة المنتجات بأنواعها والمقاييس والمكاييل في الأسواق، وهناك هيئة المدن الصناعية مسؤولة عن الصناعة وتهيئة مناطقها وتأجيرها وتزويدها بالخدمات، وهيئة الاتصالات مسؤولة عن شركات الاتصالات تماما، هيئة السوق المالية مسؤولة عن الشركات المساهمة تماما. هذا إضافة إلى مجلس المنافسة الذي يعمل على دارسة وتحرير الأسواق من الاحتكار ومتابعة الأسباب الفعلية لارتفاع الأسعار. هناك أيضا هيئات مستقلة للمهن الحرة مثل هيئة المحاسبين، هيئة المهندسين، هيئة التخصصات الطبية، هيئة المثمنين، حتى المساهمات العقارية لها لجنة مستقلة، إضافة إلى أعمال الغرف التجارية ولجانها، فماذا بقي على وجه الحقيقة؟ السجل التجاري والعلامات التجارية، والغش، فهل تستحق مثل هذه إلى وزارة. النشاط الملموس لوزير التجارة يجب ألا يتسبب في خلط الأوراق علينا، فهو كوزير للتجارة والصناعة يعمل أيضا رئيسا لجميع مجالس إدارات هذه الهيئات "ما عدا البعض القيل منها"، ولهذا عندما نسمع عن إنجازات هذه الهيئات نظن أنها من أعمال وزارة التجارة، وهذا غير صحيح. فما حدث من تطوير في المواصفات الخاصة بالمكيفات والسيارات مثلا نتج عن عمل هيئة المواصفات والمقاييس، والعمل الناجح في حليب الأطفال وتغريم شركات الأرز كان من عمل مجلس المنافسة، وما حدث في المساهمات العقارية كان عمل لجنة المساهمات العقارية، وما حدث في المدن الصناعية كان عمل هيئة المدن. في المقابل فإن اختصاصات وزارة التجارة والصناعة بدأت تتضارب مع اختصاصات هذا الكم من الهيئات، وعلى المواطن الذي لديه مراجعة في إحدى الهيئات أن يبدأ منها وينتهي عند غيرها من الهيئات، وعليه أيضا المرور بوزارة التجارة فقط للسلام. حتى لم نعد نعرف من المسؤول عن ماذا؟ فهيئة السوق المالية تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في شأن الشركات المساهمة بل وغيرها مما هو معلوم من اختصاصات وزارة التجارة، فهي توافق على هذه الشركة المساهمة وتوقف تلك وتعاقب مجلس إدارة هذه، وتمنع هذه من التداول، وتخفض رأسمال شركة وتسمح لمن تشاء بزيادة رأس المال وترفض من تشاء، وهذا المتعهد مقبول، ومراجع الحسابات هذا معلق وهذا موقوف، وهذا منظور في شأنه، فماذا بقي لنظام الشركات الذي تتولى وزارة التجارة تنفيذه في ظل كل هذا التداخل الصريح والواضح جدا. هيئة الاتصالات من جانبها هي التي تحدد صلاحية شركة ما لدخول السوق وهي التي ترفض، وهي التي تحدد كل صغير وكبيرة وتناقشها وتحدد مدى التسعير وترفض تجوال هذه ومجانية تلك، فماذا بقي لوزارة التجارة في هذا الجانب. نتذكر "المتكاملة" و"موبايلي" و"المعجل" و"بيشة" وغيرها ــــ كحالات دراسية ـــ وكيف تدخل عديد من الأطراف في هذه القضايا، ففي "المتكاملة" تولت هيئة الاتصالات موضوعها على أساس الاختصاص، وهيئة السوق المالية أوقفتها بناء على صلاحياتها بعد خطاب مباشر من هيئة الاتصالات، والمرسوم الملكي أقر تصفيتها بناء على توصية هيئة الاتصالات، وأقر تعويض المساهمين بناء على رأي لجنة، ومؤسسة النقد رفضت تورط بنوكها في القضية. فهل سمعنا لوزارة التجارة من صوت. واليوم نسمع عن مشكلة "موبايلي" وكل ذي شأن تحدث، حتى شركة اتصالات الإمارات، بينما وزارة التجارة في صمت. "المعجل" تعرضت لمشاكل واسعة النطاق، لا صوت في موضوعها يعلو على صوت هيئة السوق المالية، فهل سمعنا لوزارة التجارة من رأي؟ في قضايا الغش هناك تداخل صارخ بين أعمال كل من هيئة الغذاء والدواء والأمانات والتجارة، لا نعرف من المسؤول؟ وزارة التجارة تعلن عن اكتشاف مستودعات لمواد غذائية فاسدة، ثم نسمع عن مثل هذه الإعلانات للأمانات المختلفة في شتى المناطق، ثم نقرأ إعلانات من هيئة الغذاء والدواء لمساعدتها في ذلك، لأنه من صلب مسؤولياتها. المطاعم التي نعاني الأمراض منها ليست مسؤولية وزارة التجارة ولا تسألني من، والفنادق والغرف المفروشة من صلاحيات هيئة السياحة وكذلك المحطات، القمح والحبوب من مسؤولية صوامع الغلال، العقار مسؤولية وزارة الإسكان، الاستثمار الأجنبي أصبح مسؤولية هيئة الاستثمار، فماذا بقي لنناقش فيه وزارة التجارة كــ "وزارة". لكن المعضلة التي سنواجهها لو تم إلغاء وزارة التجارة هي كيف نربط كل هذه الهيئات بمجلس الوزراء، لعل هذا هو الدور الذي بقي لوزير التجارة وليس للوزارة، وهنا المشكلة التي بدأت بها الموضوع، فلا بد أن نفرق بين دور الوزير ودور الوزارة. لا بد من إعادة دراسة وبناء فلسفتنا للاقتصاد من جديد. هنا لب المشكلة، وما يحدث هو مجرد ظواهر لها. لماذا أنشأنا كل هذه الهيئات؟ الهدف من إنشاء الهيئات بدلا من الوزارات ــــ بشكل عام ــــ هو تحرير الاقتصاد، والتحول من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر، وأيضا تخفيف الأعباء على الميزانية العامة للدولة، حيث تعمل هذه الهيئات بشكل مستقل عن الميزانية العامة للدولة، وتعتمد أكثر على إيراداتها. لكننا نعود ونربط هذه الهيئات بوزير لكي تصدر قراراتها وتنظيمها بإشراف مجلس الوزراء، فهل نحن نحرر الاقتصاد فعلا؟ إذا كنا لا نستطيع تحرير الاقتصاد بالشكل الرأسمالي النظري المعروف عنه ونريد تحريرا خاصا وبفلسفة خاصة بنا، فإن إنشاء كل هذه الهيئات مع بقاء وزارة التجارة بهذا الشكل خلق الكثير من التضارب في العمل، والحقيقة التي أمامي ــــ كما أراها ــــ أنه لا بد من إعادة صيغة اختصاصات وزارة التجارة، حيث تصبح كمنسق لعمل كل هذه الهيئات، أو أن تعمل كشركة قابضة؟ وباختصار إلغاء وزارة التجارة والصناعة كما هي اليوم.
إنشرها