Author

لا يمكن معاندة السوق

|
عندما تتراجع أسعار السلعة "أي سلعة" تلقائيا في السوق، فمن الطبيعي أن يقوم مورد هذه السلعة بالتعاطي مع متغيرات السوق بالصورة التي تكفل له مواصلة التوريد، وإن بأسعار تقل عما كانت عليه. هذه هي معايير السوق. وتحديها معروف النتائج، وهي أن تبقى السلعة في حوزة المورد، وتتحول إلى التخزين، في الوقت الذي يفشل فيه في مجاراة المتغيرات. وعلى مدى ستة أشهر تقريبا تراجعت أسعار النفط في السوق العالمية إلى مستويات قياسية. بعض هذه المستويات لم يحدث منذ أكثر من خمس سنوات. وفي المجمل انخفض سعر برميل النفط ما بين 35 و40 في المائة، وهي نسبة كبيرة جدا، ومؤثرة سلبا في اقتصادات البلدان التي تعتمد بصورة أساسية على النفط في احتساب إجمالي ناتجها المحلي. لقد أظهرت الأزمة التي تمر بها السوق النفطية مرونة حقيقية لدى دول الخليج النفطية في التعاطي معها. بعض المراقبين يعتبرون أنها فرصة لإعادة الحسابات الاقتصادية المحلية من جديد، والبعض الآخر يراها دورة من إحدى الدورات التي ينبغي أن يمر بها الاقتصاد العالمي. ويرى آخرون، أن مستجدات مصادر الطاقة هي السبب الرئيس وراء الحالة الراهنة في السوق النفطية. وبصرف النظر عن الأسباب والاستحقاقات بهذا الخصوص، هناك حقائق تتشكل على الساحة لا بد من التعاطي معها بالصورة التي توازيها تأثيرا، أو في أفضل الأحوال، بالشكل الذي يتناسب مع انعكاساتها محليا وعالميا. ومن هنا، يمكن اعتبار إقدام بعض الدول الخليجية على خفض أسعار نفوطها، بأنه شكل من أشكال المرونة المطلوبة في هذا الوقت بالذات. تقدمت المملكة ومعها الكويت والعراق بتخفيض أسعار البيع الرسمي لنفوطها. وقد تماشت هذه الخطوة مع انخفاض الأسعار العالمية، وارتفاع مستوى الفوائض النفطية في الأسواق. وقد تأرجحت التخفيضات ما بين 3.95 و5 دولارات أمريكي تحت متوسط أسعار خامي عُمان ودبي. وبينما استهدفت التخفيضات المشترين الآسيويين في البداية، إلا أنها سرعان ما شملت المشترين الأمريكيين أيضا. هذه التخفيضات، إضافة إلى تمسك الدول المنتجة للنفط ضمن "أوبك" بالحفاظ على سقف الإنتاج الإجمالي للمنظمة، نشرا الطمأنينة في أوساط المستهلكين، الذين بلا شك يحققون فوائد متواصلة، ما مكن بعض حكومات الدول المستوردة تخفيض بعض الدعم عن الوقود فيها. ولعل من أبرز نتائج المرونة للدول الخليجية المشار إليها، أنها حافظت على ولاء زبائنها ولا سيما الآسيويين منهم. والاستراتيجية الراهنة التي تتبعها دول "أوبك" رغم وجود معارضين لها ضمن المنظمة النفطية نفسها، تستند إلى أن السوق النفطية ستعدل نفسها بنفسها دون تدخلات "اصطناعية". ولا تزال هذه الاستراتيجية في مرحلة التنفيذ وتحتاج إلى مزيد من الوقت كي تصل السوق إلى الشكل المستقر المطلوب لها. وفي كل الأحوال، فإن المرونة تبقى العامل الحاسم في هذه المرحلة. فلا يمكن الإبقاء على التسعيرة النفطية الرسمية السابقة، بينما تتحرك الأسعار باتجاه نزولي يكاد يكون تاريخيا من حيث المستوى. إن المرحلة المقبلة ستشهد تحولات جديدة على صعيد الأداء النفطي بشكل عام، وهذه التحولات تتطلب مزيدا من المرونة وبعد النظر. ببساطة، لا يمكن معاندة السوق. سيقوم عديد من البلدان المصدرة للنفط بتخفيض أسعار نفوطها تباعا، وبمستويات جاذبة أيضا، فلا خيار أمامها سوى ذلك. وهي بهذه الطريقة لا تضمن تدفقا متواصلا لنفطها في الأسواق العالمية، بل أيضا تحظى بمزيد من الولاء من زبائنها خصوصا أولئك الذين تشكل وارداتهم فارقا كبيرا، وتحظى بثقل كبير. المسألة برمتها تظل خاضعة لاعتبارات متشابكة، لا تتعلق فقط بجهة واحدة. فتجارة النفط كغيرها من بقية أنواع التجارة متعددة الأطراف.
إنشرها