Author

مبادراتنا.. وتحقيق الأثر الفعلي

|
بعد أيام قلائل نشارف على بداية العام الميلادي الجديد، حيث تقوم شركات عديدة بالتخطيط لمبادراتها للمسؤولية الاجتماعية للعام القادم. ومن المتوقع أن يشهد العام الجديد زيادة ملحوظة في عدد مبادرات الشركات وقيمتها، إذ إن هناك توجها واضحا من قبل عديد من الشركات لتفعيل دورها بشكل أكبر نحو مجتمعها. وفي المحصلة، إننا نتطلع إلى عام جديد من المبادرات المختلفة والمتنوعة ذات الأثر الإيجابي الواضح، يتجدد فيه أملنا نحو معالجة قضايانا التنموية الملحة من خلال حلول عملية تقدمها برامج ومبادرات الشركات، فطبيعة التحديات التنموية التي نواجهها تحتم علينا الانتقال إلى مستوى أعلى من التطبيق. وفي ظل كل المعطيات أعلاه، يتجدد تطلعنا المستمر نحو تحقيق أثر ملموس من تلك المبادرات التي تتطلب الدقة في التصميم، تحديد معايير قياس واضحة، وكذلك المتابعة المستمرة للأداء. فمثلا إذا قامت شركة ما بتوجيه إحدى مبادراتها نحو خفض معدل الإصابة بالسكري بين الأطفال من خمسة أعوام إلى 12 عاما، عن طريق تغيير السلوك الغذائي للعينة المستهدفة، وكذلك تغيير نمط الحياة اليومية لخمسة آلاف طفل من الفئة العمرية نفسها، وقامت بتحديد آليات إشراك الأطفال بالتنسيق مع المدارس التي ينتمي إليها هؤلاء الأطفال، ومن ثم قامت بالاشتراك مع الجهة التنظيمية المختصة لإطلاق المبادرة. يتبقى على الشركة تحديد المعايير بوضوح بشكل مسبق، بل ووضع الأداة اللازمة للتأكد من تحقيق تلك المعايير على أرض الواقع، ويمكن أن يكون أحد المعايير أن تتمكن المبادرة بالتعاون مع الجهة التنظيمية المستهدفة من سحب المواد السكرية الضارة من تلك المدارس، وبذلك تحقق الشركة الأثر الإيجابي الملموس وتسهم في تحقيق هدف المبادرة المخطط له من قبل الشركة، مساهمة في الوقت ذاته في معالجة إحدى المشكلات التنموية في مجال الصحة. وهناك عديد من الأمثلة في هذا الإطار، نذكر منها التجربة الفريدة لشركة الأسمنت المكسيكية سيميكس، التي حددت وضع حلول سكنية متكاملة لفئة محدودي الدخل كأحد أهم إسهاماتها في مجال الاستدامة. قامت بتصميم برنامجها حيث يشمل: تقديم مواد البناء بأسعار مخفضة، ومن ثم المساعدة التقنية في وضع التصاميم وطرق البناء، وأخيرا تقديم القروض الصغيرة لإنجاز المساكن. كما تقوم الشركة بتدريب عدد من السيدات من الفئة نفسها وتمكينهن من إدارة المشروع، وبذلك تكون الشركة قد قامت بتقديم الحلول السكنية للفئة المستهدفة، إضافة إلى توفير عدد من الوظائف للفئة نفسها. وكذلك قامت الشركة بوضع معايير قياس مستوى الخدمة من حيث الجودة والسرعة. وتقوم الشركة حاليا بدراسة خيار التعاقد مع طرف ثالث للقيام بمهام التدقيق للمشروع. ما نريد قوله هنا، إن أثر برامج الشركات يمكن أن يكون أكبر إذا ما تم الاختيار بشكل استراتيجي وتصميم البرنامج بما يتوافق مع الأهداف القياسية الموضوعة للمبادرة، وجرى تحديد معايير القياس الكمية والنوعية. ويجدر بنا في هذا السياق ذكر مثال شركة "تاتا"، الرائدة في مجال الاستدامة، التي تقدم إسهاماتها في مجال الاستدامة من خلال نموذج فريد يجمع تسخير الخبرات الداخلية، المهارات الأساسية، وقبل ذلك كله التزام الإدارة العليا بالاستدامة. وقد قامت الشركة بتحديد التعليم كأحد أعمدة مبادراتها للاستدامة، وبناء عليه فقد أطلقت برنامجها للتميز في مجال التعليم كأحد البرامج المنبثقة عن هذا التوجه. البرنامج الذي يستفيد منه 2500 مدرس و100 ألف طالب يهدف إلى تحسين جودة التعليم للعينة المختارة. وتقوم "تاتا" عن طريق شركاء مختصين بتطوير المعايير الكمية والنوعية بما يحقق رؤية الإدارة من هذا المشروع لضمان جودة المخرجات التعليمية. من ثم تقوم الشركة بتوزيع عديد من الجوائز شاملة جوانب مختلفة من حيث الجودة النوعية التي يغطيها البرنامج، وذلك اعتمادا على المعايير التي تم تحديدها مسبقا. وفي الخلاصة، نحصل على برنامج يتمكن من معالجة إحدى أهم القضايا التنموية الوطنية ويلبي في الوقت ذاته متطلبات أصحاب المصالح المختلفين. ختاما، فإن الإسهامات في مجال الاستدامة التي يمكن من خلالها تحقيق أثر ملموس لمجتمع الشركة كثيرة وعديدة، فرحلة الاستدامة كما يصفها كثيرون لا نهاية لها، المهم أن تظل الرحلة في تقدم مستمر وأن تصل إلى أهدافها في كل مرحلة.
إنشرها