Author

لماذا انهارت السوق المالية؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
كابدت سوق الأسهم السعودية بالأمس خسارة فادحة، وصلت نسبتها في مؤشرها العام إلى 7.24 في المائة، ووصلت الخسارة الرأسمالية في قيم الأصول المتداولة إلى نحو 111.2 مليار ريال، ولتصل تلك الخسائر الرأسمالية خلال هذا الأسبوع مقارنة بإغلاق الأسبوع الماضي إلى 221.9 مليار ريال، فيما وصل إجمالي الخسائر الرأسمالية منذ نهاية آب (أغسطس) الماضي إلى 766.4 مليار ريال (34.0 في المائة القيمة الرأسمالية للسوق السعودية). تزامنت تلك الخسائر الفادحة في السوق المالية مع التراجع السريع الذي شهده سعر النفط خلال النصف الثاني من العام الجاري، الذي وصلت نسبة انخفاضه بالنسبة لنفط برنت حتى إغلاق أمس إلى نحو 48.0 في المائة، أي أنه خسر تقريبا نصف مستوياته المسجلة منذ منتصف حزيران (يونيو) من العام الجاري! ما يثبت مجددا ارتفاع الرابط والتأثير لأسعار النفط في أداء السوق المالية تحديدا، ويُثبته أيضا على وجه العموم على مستوى الاقتصاد الوطني، غير أن بقية قطاعات الاقتصاد ليست كسوق الأسهم الآنية، التي تترجم فوريا تلك التراجعات في الوقت ذاته على تقييمات الأصول المتداولة في السوق، إذ إنها تتطلب وقتا أطول يمتد أحيانا إلى عدة أشهر تالية كي تُترجم تلك التراجعات في أسعار النفط على مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني، كلٌ حسب درجة ارتباطه وحساسيته، إلا أن درجات الارتباط تعتبر على مستوى العموم في مستويات مرتفعة دون شك. هل سيتوقف النزيف المالي في سوق الأسهم؟ وهل من طريق لعودة الثقة إلى معنويات المتعاملين في السوق؟ ولماذا في الأصل حدث مثل التراجع الحاد في السوق المالية؟ وأخيرا؛ بماذا يُنصح المتعامل في السوق الذي تعرضت مدخراته لهذه الخسائر الفادحة؟ كما يُلاحظ أنه ما دامت أسعار النفط تسجل تراجعاتها المتتالية، فإن السوق المالية (المتدنية الكفاءة) ستضطر إلى ترجمة تلك التراجعات الحادة على تقييماتها فورا لأسعار الأصول المتداولة السوقية! والحديث هنا ليس عن معقولية هذا الارتباط من عدم معقوليته، ولماذا لم ترتفع سوق الأسهم في أوقات سابقة حينما ارتفع النفط لما فوق الـ 100 دولار أمريكي للبرميل، كل هذه النقاشات يلغيها أو يضعف شأنها ما سبق الإشارة إليه طوال الأعوام الماضية؛ وهو ضعف كفاءة السوق المالية السعودية، وغياب كثير من متطلبات وضعها في درجة الأسواق المالية الأكثر نضجا وكفاءة وحسن إدارة. إن استقرت أسعار النفط عند مستوياتها الراهنة، قد تشهد السوق المالية نوعا من الاستقرار، وحالَ أن تتكيف مع هذه المستجدات، ستبدأ العوامل الأخرى المؤثرة في أداء السوق بالعودة مرة أخرى لتلعب دورها التقليدي، كنمو الأرباح وإعلانات توزيعاتها، وقياس المؤشرات الأساسية للربحية، وقد يخدمها أن تبدأ أسعار النفط بتعويض جزء من تلك الخسائر الفادحة التي كابدتها السوق النفطية أخيرا، وهو أمر متوقع أن تشهد ارتدادا لما فوق مستوى الـ 60 دولارا أمريكيا، إلا أنها ستظل تسير في نطاقات من التقلبات وعدم الاستقرار لعدة أشهر مقبلة، وهذا ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من قبل المتعاملين في السوق المالية المحلية. أما بالنسبة لعودة ثقة المتعاملين، فلا أظن أن صدور أي تصريحات من المسؤولين عن الشأن الاقتصادي والمالي كما يطالب به عديد من المراقبين والمتعاملين، أؤكد أنه لن يكون له التأثير المتوقع أو المأمول من قبل تلك الأصوات، ولن يكون كذلك حتى لتصريحات كبار المستثمرين في السوق المالية الثقة، السوق المالية تتطلب وجود أرض صلبة من الشفافية الدائمة والمستمرة، وهي العنصر الأهم الغائب عن السوق المالية منذ تأسيسها، وليس خلال الفترة الأخيرة فقط! يُقصد بالشفافية المعلوماتية هنا، المنظومة المتكاملة من المعلومات المفترض صدورها من قبل (وزارة المالية "الصناديق الحكومية"، مؤسسة النقد العربي السعودي "حجم التمويل للمحافظ"، هيئة السوق المالية وتداول "طبيعة التداولات وتفاصيلها حسب المحافظ الاستثمارية"). هذا الغياب شبه التام للشفافية لن يعوض غيابه وفقدانه أي عنصر آخر مهما صدر من تصريحات سواء من المسؤولين عن السوق المالية، أو من كبار المستثمرين! وأي محاولات لتجاوز هذه الثغرة والخلل الخطير، لا تتعدى مجرد هروب مؤقت من المواجهة الحقيقية للاختلالات الكامنة في هيكل السوق المالية، التي وضعتها في أدنى درجات سلم كفاءة الأسواق المالية التقليدية. وعليه؛ أعتقد أن أي نافذة بديلة عن هذه النافذة لتعزيز الثقة في السوق المالية، ليست إلا نافذة على السراب، قد يُعجبك منظرها في البداية، لكنك سرعان ما تكتشف وهمية وعدم وجودها من الأصل، ومن ثم انعدام وجود الثقة الغائبة. لعل القارئ الكريم قد تبين له الجزء الأكبر من الصورة الشاملة لوضع السوق المالية، التي تفسر له جزءا مهما مما حدث خلال الأيام الأخيرة من هذه التراجعات البالغة الحدة، ولا تقف فقط عند مجرد التفسير الآني (على الرغم من أنه صحيح بنسبة 100 في المائة) المتمثل في ارتفاع عمليات تسييل المحافظ الاستثمارية المتورطة في التمويل من المصارف المحلية، وكما ذكرتُ أعلاه فهي جزءٌ مهم جدا من منظومة الشفافية المعلوماتية المفقودة في السوق! فلا يوجد أي مصدر رسمي حول حجم تلك التسهيلات المصرفية، ولا أين تتركز تلك التسهيلات، ولو كانت معلومة لوجدتها انعكست على معايير المتعاملين، وعلى درجات تحملهم للمخاطرة في السوق، ولكان مستوى الثقة في الأصول البعيدة عن تلك المخاطر أعلى مما شهدته السوق من عمليات بيع عشوائية، المحرك الرئيس لها وحده الخوف والهروب ما قد يكون أدهى وأمر، ولو أن تلك المعلومات حاضرة لدى عموم المتعاملين لكنت رأيت سلوكا آخر للمتعاملين مع تطورات السوق المالية، دع عنك الأثر الفاعل لوجود المعلومات والبيانات اللازمة المفترض صدورها عن بقية الأجهزة الحكومية المعنية بتعاملات السوق المالية. تحت مظلة هذا المعطيات من غياب الشفافية، وقبل أن أتحدث عن الأوضاع الأخيرة التي انحدرت إليها السوق المالية، أقول من باب الصدق والحيادية مع المتعاملين لا يوجد حل سحري أمام المتعامل في السوق الآن، وإن السبيل الوحيد أمامه اليوم أن يجتهد في بناء مراكزه المالية في السوق بناء على الأساسيات الاستثمارية التقليدية، بحثا عن الشركات ذات العوائد والنمو في أرباحها والتوزيعات بالدرجة الأولى، وأن يعتبر أي انخفاض في قيم تلك الشركات فرصة قد لا تتكرر في فترة قريبة، ليقوم باقتناصها اليوم قبل الغد، مع التركيز على الشركات الأقل ارتباطا بالأسواق الخارجية وتحديدا السوق النفطية، وألا يتردد في تبديل مراكزه من شركات في الأصل هي شركات خاسرة إلى شركات تتمتع بنمو الربحية وحُسن الإدارة، وأن طريق تعويض خسارته الراهنة مهما كانت فادحة، سيكون أكثر سهولة وأسرع عبر الاستثمار في الشركات ذات العوائد، وأن يدرك أولا وآخرا أن ما يجري في الوقت الراهن في السوق هو إحدى أبرز سماتها وخصائصها، فإن وجد منها عبئا على أمواله (مدخراته في الأصل) وأعصابه وراحته النفسية، فلا بد هنا من تقديم النصيحة الذهبية له: أن يبتعد عن الاستثمار والمخاطرة فيها. والله ولي التوفيق.
إنشرها