العالم

فلاديمير بوتين وسياسة القفز على الخطوط الحمراء

فلاديمير بوتين وسياسة القفز
على الخطوط الحمراء

كان يوم 27 شباط (فبراير) الماضي اليوم الذي اجتاز فيه فلاديمير بوتين الخط الأحمر. ففي هذا اليوم اقتحمت مجموعة كوماندوس بأمر منه برلمان شبه جزيرة القرم التي كانت تابعة لأوكرانيا التي غير ضمها إلى روسيا خريطة أوروبا وفتح عهدا من المواجهة الشاملة بين موسكو والغرب. وحتى الآن وبعد أكثر من عشرة أشهر من إعادة إلحاق القرم بروسيا لم يعرف أحد مدى عواقب قرار الرئيس الروسي. عندما بدأت الأزمة الأوكرانية، كانت لفلاديمير بوتين بالفعل خبرة طويلة على رأس الدولة الروسية مع 15 عاماً في الحكم كرئيس (ثلاث ولايات) وكرئيس وزراء (مرتين) توالى عليه خلالها ثلاثة رؤساء أمريكيين ومثل عددهم من الفرنسيين ومن رؤساء الوزراء البريطانيين. حرب الشيشان والسيطرة على وسائل الإعلام المستقلة ووهن المعارضة الروسية أكسبته كلها سمعة الرئيس المستبد. لكنه في بلاده يعتبر رجل الاستقرار الاقتصادي الذي أسهم في ظهور طبقة وسطى بعد سنوات رئاسة بوريس يلتسين التي سادتها الفوضى. وهو أيضا صانع التجديد وسيد روسيا المرفوعة الرأس بعد المهانة التي لحقت بها من جراء سقوط الاتحاد السوفياتي. حركة الاحتجاج المؤيدة لأوروبا في أوكرانيا وسقوط رئيسها الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش في شباط (فبراير) كانا أكثر مما يحتمله الرئيس الروسي الذي اتهم الغرب بالتدخل في المربع الروسي وحلف شمال الأطلسي بالتقدم إلى أبواب روسيا. بوتين لم ينتظر طويلا للرد على هذا الأمر، حيث أقدم على إعادة ضم شبه جزيرة القرم من خلال استفتاء على تقرير المصير تحول إلى مبايعة له ثم تقديم الدعم العسكري للانفصاليين في شرق أوكرانيا كما تتهمه بذلك كييف والدول الغربية. هكذا تجسد سوء التفاهم بين روسيا والغرب بوضوح. ففي حين ترى موسكو أن ضم شبه جزيرة القرم ليس سوى عودة طبيعية لهذه الأراضي "المقدسة" أو "القدس الروسية" إلى أحضان الوطن ترى العواصم الأوروبية أن الرئيس الروسي أعاد بضربة قلم رسم خريطة أوروبا واستولى على أراض في تصرف لم يقدم عليه أحد في القارة القديمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت الذي ينتقده فيه القادة الغربيون الذين يتهمونه بـ"العدوان" على بلد أوروبي وتذهب الصحف الشعبية الأوروبية إلى حد وصفه بهتلر الجديد بلغت شعبية بوتين أوجها في روسيا حيث تحول وهو في الثانية والستين إلى بطل حقيقي ولا سيما في نظر المناهضين للحلف الأطلسي ولـ"الزعامة الأمريكية" للعالم والنظام الليبرالي الغربي. هذه الرغبة في القوة لدى الرئيس الروسي أعادت إلى الظهور كلمة كانت قد اختفت عام 1991 مع انهيار الاتحاد الأوروبي: "الحرب الباردة". فمع عودة تحليق القاذفات الاستراتيجية بالقرب من دول أوروبية وانتشار السفن الحربية في تدريبات بحرية تثير قلق جنرالات الحلف الأطلسي التي أعادت إلى الأذهان صورا من الماضي. إلا أن الرئيس الروسي لا يرى في هذه التحركات سوى عودة الأمور إلى نصابها الصحيح فهو يرى أن الغربيين لم يحترموا أبدا وعودهم بعدم توسيع الحلف الأطلسي إلى أبواب روسيا متسائلاً: من يهدد من؟ منذ ذلك الحين والتساؤلات لا تتوقف: ماذا يريد بوتين؟ إلى أي مدى ينوي الذهاب؟. المحللة المستقلة ماريا ليبمان، المعارضة بشدة لبوتين، تقول "إنه يعتبر نفسه زعيما أبديا مكلفا برسالة: إنقاذ روسيا من الغرب. فهو يستشهد دائما بأحداث لتاريخ ويسعى إلى وضع نفسه بين القادة الذين أنقذوا روسيا من الأخطار". قنسطنطين كالاتشيف مدير مركز الأبحاث السياسية يرى أن فلاديمير بوتين "يفكر فيما سيكتب عنه في كتب التاريخ". واعتبر أنه "بعد 50 عاما أو 100 عام لن يتحدث المؤرخون عن سعر الروبل وإنما عن إعادة ضم القرم والمواجهة مع الولايات المتحدة". المختصون يرون أن الأزمة الأوكرانية أظهرت جليا أن فلاديمير بوتين لا يريد سوى أمر واحد: الاحترام والمساواة في التعامل مع الولايات المتحدة. ما المتوقع الآن من روسيا؟ استمرار سياسة استعادة السلطة، وتغيير أولويات الطاقة من أوروبا إلى آسيا وتفعيل العلاقات مع دول أمريكا الجنوبية والشرق الأوسط، كما أعلن الرئيس أخيرا، والاستمرار في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد مع ضمان دور لا يمكن الالتفاف عليه في المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني. والمواجهة مع الغرب؟ يرى كالاتشيف أن بوتين "يراهن على أن أعصاب الأوروبيين ليست بقوة أعصابه هو".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم