Author

الابتكار والاستدامة

|
لا نختلف لغويا على أن الابتكار هو بمثابة الاستجابة لاحتياجات أو متطلبات طارئة من خلال تحسين منتجات، أفكار، إجراءات، خدمات أو تقنيات تستهدف الكفاءة والفعالية بما يعود بالمنفعة المشتركة على أصحاب المصالح على اختلافهم وباختلاف المجالات. وفي عالم الأعمال فإن الابتكار يعد أهم العوامل لتبوؤ الريادة القطاعية وزيادة الحصة السوقية، ويأتي دائما مرتبطا بالإنتاجية والتنافسية والنوعية، كما أنه من مقومات الاستدامة لتلك الأعمال. ولكننا نلاحظ أن كلمة الابتكار يساء استخدامها من قبل الكثير من كيانات القطاع الخاص فأصبح عديد من الشركات تصف نفسها بالمبتكرة دون أن يكون هناك أي إضافة حقيقية لقيمة تلك الشركات. ورغم اتفاقنا على أن ممارسات الابتكار تختلف من قطاع لآخر، إلا أن هناك حدا أدنى من الصفات التي يجب أن تتوافر في المنتج، الخدمة، أو العملية حتى يتم وصفها بالابتكار. في البداية يجب أن يحتوي تعريف الابتكار على معنى الحداثة، بمعنى أن يكون ما تم إنجازه لم يكن مطروحا من قبل بشكله الحالي. ويجب أن يكون إبداعيا بحيث يلمس المستخدم الفرق الواضح والتطور الكبير بين المطروح حديثا والموجود سابقا، كما يجب أن يحقق فعالية وكفاءة واضحة تنعكس على تقييم الشركة على المدى الطويل. وعادة ما تتحلى الشركات المبتكرة بروح المبادرة والجرأة على صناعة الفرق. فمثلا ستيف جوبز، المؤسس الرئيس لشركة "أبل" كانت لديه رؤية جديدة وتصور مختلف عن القطاع الذي يعمل فيه، لذا استطاع من خلال إبداعاته المتكررة أن يقدم للعالم أجمع حلولا جديدة متميزة كان العالم في حاجة ماسة إليها. ويمكن القول إجمالا إن الابتكار يبدأ برؤية إبداعية تتم ترجمتها إلى واقع ملموس. وكي تتمكن الشركة من وسم نفسها بالمبتكرة فهناك ثمة تساؤلات يجب أن تطرح، فمثلا: ما مستوى فهم الشركة للاتجاهات الحالية في القطاع لعمل إسقاطات مستقبلية منطقية؟ وما مدى فهم الشركة لاحتياجات أصحاب المصالح، وكذلك مدى قدرتها على تحويل تلك المتطلبات إلى منتجات أو خدمات مبتكرة؟ وهل تقوم الشركة بعمليات المراجعة والتقييم الدورية لعملياتها وفق منهجية محايدة وواضحة؟ وما حجم استثمارات الشركة في الأبحاث والتطوير؟ أخيرا برزت الاستدامة كأحد العوامل المحفزة للابتكار. الاستدامة التي تبدأ من رؤية واضحة والتزام قوي طويل الأمد من قبل الإدارة العليا بتقديم الحلول على المدى الطويل. ذلك أن تطبيق أفضل ممارسات الاستدامة تدفع الشركة للابتكار استجابة لمتطلبات أصحاب المصالح وكذلك للفوائد التي تجنيها الشركة على المدى الطويل. فشركات فودافون، أورانج، وأوتو قامت بالاشتراك مع forum for the future لتطبيق نظام تقييم يصنف جميع الهواتف النقالة المعروضة في محالها التجارية حسب اعتبارات بيئية محددة مسبقا، مثل مصدر المواد الخام، المسؤولية التصنيعية، بحيث يتحصل كل هاتف على درجة بناء على مطابقته للمواصفات البيئية، وذلك بغض النظر عن الشركة المصنعة للهاتف. في دليل بارز عن الرؤية البعيدة الأمد لتلك الشركات والتزامها بالاستدامة كعامل محفز لخلق القيمة المضافة على المدى البعيد، وكذلك قامت "سابك" بقديم المنتجات المبتكرة للأسواق العالمية، وقد تمكنت من خلال أحد منتجاتها من تقليل الاعتماد على المعادن في صناعة أجزاء الطائرات، القطارات، والسيارات لتصبح أخف وزنا وأكثر جدوى اقتصاديا. وفي الإطار نفسه يمكن إدراج التحالف بين شركتي "أرامكو" و"داو" الفريد من نوعه، والذي التزمت فيه الشركتان برؤية تأسيسية قائمة على الابتكار، حيث القيام بتصنيع المواد الكيماوية الأساسية والتحويلية لتحقيق قيمة مضافة وفتح أفق جديدة لمصانع المنتجات الاستهلاكية. ويمثل هذا النموذج أعلى درجات الابتكار حينما يكون هو الغرض من التأسيس. وعلى صعيد الشركات الصغيرة والمتوسطة، فإن نموذج "لومار" يعد أحد النماذج المبتكرة، ذلك أن الشركة قامت بإعادة تعريف مفهوم الثوب السعودي وفهم اتجاهات السوق وإدراك الحاجة لتصاميم أكثر عصرية تستهدف شريحة معينة من العملاء لم تتم الاستجابة لمتطلباتها سابقا. ختاما، فالابتكار أنواع له تعاريفه واستخداماته، ولكننا نتحدث عن اقتصاديات الابتكار أي في قطاع الأعمال. قد نختلف كثيرا في تعريفنا الدقيق للابتكار، ولكننا نتفق على أنه يجب أن يضيف للتنافسية والإنتاجية في عالم الاقتصاد المعرفي.
إنشرها