Author

أحلى علبة

|
واجهت، مريم المساعد، مقاومة شديدة من أمها لتناول أدوية السكر بانتظام. كانت ترفض أخذ الأدوية في مواعيدها. تردد الأم دائما: "لن يموت أحد قبل يومه". كلما ضغطت عليها مريم أجابت الأم بسؤال حاد كسكين يقطع مشاعرها إربا: "لمَ تريدينني أن أموت مرتين. تكفيني موتة واحدة. الأدوية تميتني؟". استسلمت مريم بسبب إصرار أمها على عدم تناول أدويتها. لكن بعد أن حذرت الطبيبة أمها من أن حالتها الصحية ستسوء إذا أقلعت عن تناول الأدوية، لم تجد مريم خيارا سوى المحاولة مجددا. اخترعت مريم طريقة جديدة لإغراء أمها لتناول الأدوية. شرعت مريم في وضع ورقة في علبة صغيرة خصصتها لأدوية أمها. في كل مرة تكتب جملة. كتبت أول مرة: "أحبك يا أمي. يا ليتني أملك عينين كبيرتين مثل عينيك، وابتسامة مثل التي تعلو وجهك". وسألت أمها مرة قائلة: "يمه...هل تعلمين أن صوتك حلو حتى إذا صرختِ عليّ. أرجوك، لا تحرميني من حسك؟". وأحيانا تضع في العلبة صورا لأحفاد أمها. وخلف كل صورة جملة بخط يد الحفيد. فعلت العلبة الأعاجيب بأمها. أصبحت تتناول دواءها دون مقاومة، بل صارت تفتح العلبة قبل موعد الدواء في انتظار المفاجأة التي تضعها لها صغيرتها كل يوم. تقول مريم (24 عاما) إنها لم تكن تتصور يوما ما أن أمها ستلتزم بتعليمات الطبيب وتتناول الدواء، بيد أنها فعلت، والسبب العلبة. تعلمتُ من تجربة مريم أن كل شيء في الدنيا قد نستطيع أن نقنع الآخرين به إذا أحسنا تعليبه وتغليفه وتقديمه. الأم مهما كانت كبيرة، تود أن ندللها كالأطفال. نُشعرها بالأنوثة والاهتمام مهما كبرت. المشاعر لا تشيخ، وإنما يزيد نهمها وعطشها وتوقها للدلع. ننسى في غمرة انشغالنا أن نهتم بتفاصيل صغيرة تصنع الفرق لدى أمهاتنا. تعليق جميل نغرسه. كلمة حلوة نذيبها في كؤوس أيامهن. حرف ماطر يهطل على آذانهن. قد لا نستطيع إطالة أعمار أمهاتنا. لكننا نستطيع أن نجعل حياتهن أحلى حتى لو حرمهن أطباؤهن من (الحلى).

اخر مقالات الكاتب

إنشرها