Author

هل شوارعنا مُعدة لحالات الطوارئ؟

|
أكاد أجزم أن أغلبنا رأى سيارة إسعاف عالقة في الزحام وهي تصدح بصوت الطوارئ تدعو من في طريقها إلى التنحي وفتح المجال، وليس باستطاعة السيارات التي بالأمام التنحي، ولم تُعد طرقنا لمثل هذه الحالات، وأعتقد أنها كانت معدة سابقا ثم تمت إزالة هذه المسارات. نحن نتحدث عن جميع حالات الطوارئ التي قد يمر بها أي شخص دون استثناء، فقد يكون في سيارة إسعاف، أو ينتظر الدفاع المدني لإطفاء حريق شب في منزله، أو ينتظر الشرطة والمرور، أو قد يكون شخصا عاديا يسابق الوقت في سيارته من أجل إنقاذ غالٍ، يتألم بجانبه أو يحتضر، هذه المواقف كما ذكرت سابقا قد تواجه أي شخص وفي أي وقت ومكان. ولن يتذوق مرارتها إلا من وقع في هذا الموقف، أجارنا الله وإياكم من هذه المصائب. ولا شك أن هناك حاجة لجرعات من التوعية لقادة المركبات لتوضيح أهمية فتح المجال أمام الحالات الطارئة، وضرورة التفكير في الآخرين وحالتهم. وهناك حاجة ملحة أيضا لإعداد الطرق السريعة بوضع مسارات مخصصة لحالات الطوارئ، وقد كانت موجودة سابقاً في مدينة الرياض، وأعتقد أن سبب إزالتها هو توسيع عدد مسارات الطرق نظرا للزحام المتزايد، والسبب الثاني هو الاستغلال الخاطئ لهذه الطرق من قبل بعض سائقي السيارات المخالفين الذين يستخدمون هذه الطرق للتجاوز بسرعات كبيرة. لكن مهلاً، إن صح اعتقادي فإن هذه الأسباب ليست كافية لحرمان سكان الرياض من مطلب إنساني، ولا يعقل أن يتم منع أمر مباح ومتطلب أساسي بسبب استغلال خاطئ من شخص مخالف، فالمخالف من المركبات يمكن رصده بشكل دائم، وتستخدم في حقه التقنية لرصد تجاوزه ويعاقب العقاب الرادع، أما بشأن الزحام فكما هو معروف أن أغلب مسبباته الحوادث أو المركبات المتعطلة، أما الزحام بسبب الكثافة المرورية فهو أمر مرتبط بأوقات محددة وله حلول مختلفة ليس منها إزالة المسارات الخاصة بحالات الطوارئ. إذا المشكلة تكمن في من لم يقم بواجبه في معاقبة المخطئ وكذلك لم يكلف نفسه عناء رفع واقعة حادث ينتظر أصحابه ثلاث ساعات، أو تحريك سيارة متعطلة نظرا لأن صاحبها تجاوز الفحص الدوري بنجاح دون أن تفحص أصلا، ويمكن معرفة ذلك من مظهر السيارة. وتوجد أيضا متطلبات أخرى، هي في الحقيقة موجودة لكن لا تفي باحتياجاتنا الحالية، وأقصد بذلك ضرورة التوسع باستخدام الإخلاء الطبي الجوي خاصة الطائرات العمودية (هيلوكبتر) لنقل المصابين من مستشفيات القرى والمناطق النائية إلى المستشفيات المختصة، وضرورة توافر مهبط مخصص لهذه الطائرات في جميع المستشفيات. وأضيف أيضا ضرورة تفعيل العناوين البريدية الموجودة في البريد السعودي، وتسهيل عملية الترميز لكي يسهل استخدامها من الجميع، فالمفترض أن يكون عددا بسيطا من الأرقام والأحرف، وليس رقما طويلا يصعب حفظه وفهمه حتى من المتلقين المختصين، فعند سرد رقم البناية ثم رقم الرمز البريدي والرقم المتفرع منه لأي شركة توصيل تجده يطلب منك أن تتواجد لدى أقرب مسجد لمنزلك، فماذا تتوقع الحال عند ذكر هذه المعلومات لطوارئ الإسعاف أو الدفاع المدني؟ فإنك تحتاج على الأقل إلى خمس دقائق لتحدد موقعك وعشر دقائق لتوضح أين يكون منزلك إذا وصلوا للحي، هذا إضافة إلى الوقت المتطلب منهم للحضور. في بريطانيا يتم استخدام الرمز البريدي الذي يتكون من ست خانات عادة، وهو من الأحرف والأرقام لتحديد منطقة بمساحة صغيرة جدا وبمجرد ذكر رقم المنزل أو الشقة فإنهم يعرفون موقعك دون مجال للخطأ. وأذكر مرة وأنا في بريطانيا أني شممت رائحة حريق يصدر من شقة الجار في عمارة سكنية تتكون من شقق، فقمت بالطرق على الجار للتأكد من الرائحة فلم يجبني، فقمت بالاتصال على خدمات الإنقاذ والحريق في المدينة (الطوارئ)، وعند إغلاق الهاتف سمعت الجار يحضر فخرجت له سائلاً ماذا حصل؟، فإذا هو مجرد حريق بسيط لمقبض القدر نتيجة تركه على النار مدة طويلة فأنتج هذه الرائحة، رجعت مباشرة للاتصال على الطوارئ بعد مضي ثلاث دقائق فقط لكي أوضح أنه لا حاجة إلى الخروج، ولعلي في الوقت نفس أسمع صوت الطوارئ بمركباتهم الضخمة، وبكامل طاقمهم يجوبون المنطقة ويحضرون للشقة من أجل عملية الإنقاذ. وختاما، يجب أن نؤكد مسألة الاهتمام بالجانب الإنساني في تطوير أي مدينة ويجب أن تكون معدة بشكل يتوافق مع المتطلبات الأمنية والإنسانية، وليس فقط الجانب الجمالي والشكلي أو معالجة زحام سببه قصور بعض الأجهزة. وكما قلت إن هذه الحوادث قد تقع لأي شخص، فإني لا أتمنى أن يصيب هذا الموقف أحد المسؤولين لكي يعرف ما يعانيه بقية الناس، لكي يتحرك بمعالجة هذا القصور. ومن المؤسف أن أغلب التحركات للمعالجة تتم بعد وقوع المصائب، ومصائب قضيتنا هذه تحصل دائماً ونراها يومياً، لكن لم نر أي تحرك فعال، بل كان الوضع سابقاً أفضل منه الآن.
إنشرها