FINANCIAL TIMES

«رينزي» الزعيم الشاب يضع إيطاليا في المفترق الحاسم

«رينزي» الزعيم الشاب 
يضع إيطاليا في المفترق الحاسم

«رينزي» الزعيم الشاب 
يضع إيطاليا في المفترق الحاسم

الاقتصاد المتعثر أدى إلى تخفيف التفاؤل الأولي بشأن ترقية ماتيو رينزي إلى منصب رئيس الوزراء، لكن هل سيعمل أيضا على إفشال جهوده الرامية إلى معالجة المشاكل المستمرة منذ عقود، والتي تعانيها البلاد؟ ماتيو رينزي، رئيس وزراء إيطاليا الشاب الإصلاحي، يُطلق عليه اسم إيل روتاماتوره أو "المقاتل الشرس"، بسبب الطريقة التي اتبعها بشأن تحويل النظام الاقتصادي الرزين، والمؤسسات السياسية المكتظة في البلاد. بعد تسعة أشهر في المنصب، اتخذ لنفسه لقبا آخر. في حديث مع مجموعة من رجال الأعمال في بريشيا هذا الشهر، قال: "أحيانا أشعر بأني ورقة الملاحظة المُلصقة، لأن وظيفتي هي تذكير إيطاليا من نحن". في الوقت الذي يسعى فيه لإيقاظ الإيطاليين من عقود من الذهول السياسي والاقتصادي، يستعد رينزي لإصلاح قوانين العمال المتصلبة في البلاد، ونظام العدالة المدنية القديم والإدارة العامة المُكلفة فيها. وقد أكسبته صفاته تأييدا واسعا بين الإيطاليين التواقين لتحويل جذري – وأكسبته عددا قليلا من الأعداء الخائفين مما قد يترتب على ذلك. كما أنه عمد كذلك إلى رفع آمالهم، فمن بروكسل إلى برلين، هناك شعور بأن روما لديها أخيرا قائد يملك كلا من الإرادة السياسية والدعم الشعبي اللازم لوضع السياسات التي لطالما طالبوا بها. مع ذلك، فقد فشل ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو في الانطلاق أثناء توليه المنصب، وهو ما أزال بعض البريق عن عمدة فلورنسا السابق البالغ من العمر 39 عاما، وزاد الضغط عليه لترجمة أهدافه النبيلة إلى انتصارات تشريعية ملموسة - وبسرعة. يقول أندريا مونتانيو، مدير الأعمال والاقتصاد العالمي في المجلس الأطلسي في واشنطن، والعضو التنفيذي السابق لإيطاليا في صندوق النقد الدولي: "إن إحساسي هو أن رينزي يمنح ديناميكية لإيطاليا لم تملكها من قبل، ويحرك الأمور في الاتجاه الصحيح، لكن هذا ليس كافيا، فحين تنظر إلى الأرقام الاقتصادية ترى أنها تخبرنا أن النتائج ليست موجودة". عندما تولى رينزي السلطة في شباط (فبراير) ليحلّ محل إنريكو ليتا من خلال انقلاب داخل حزبه الديمقراطي، كان المتوقع أن يركب موجة من تحسين الأداء الاقتصادي التي قد تساعد على بناء الدعم من أجل إصلاحاته. كانت الحكومة قد توقعت أنه، بعد عامين متتاليين من الانكماش، قد تعود إيطاليا إلى نسبة نمو 0.8 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014. على أن ما حدث هو أنه بحلول فصل الصيف كان واضحا أن هذه التوقعات كانت متفائلة بصورة جامحة، حيث تباطأ الاقتصاد العالمي، كما أن أزمة أوكرانيا ألحقت الضرر باقتصاد إيطاليا الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات. الآن، يبدو أن رينزي عليه الاكتفاء بتراجع معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.4 في المائة هذا العام - ما يعني في أحسن الأحوال أن الاقتصاد الإيطالي يتقلّص بوتيرة أبطأ مما كان عليها في الأعوام السابقة. سيتم إصدار أرقام الربع الثالث للناتج المحلي الإجمالي غدا، حيث ستقدم الحُكم الأحدث على الأداء الاقتصادي للبلاد. قد يكون من غير الإنصاف أن نتوقع هندسة رينزي لتحوّل جذري فوري. يحذّر مساعدوه من أن تأثير سياساته ينبغي أن يُحكم عليها على مدى أعوام، نظرا لعمق المشاكل الاقتصادية المستمرة منذ عقود في إيطاليا. كما يصرّون أيضا على أن جدول أعمال رينزي لم يخرج عن مساره بسبب النمو الضعيف في الآونة الأخيرة. يقول ماركو سيموني، أحد كبار المستشارين الاقتصاديين لرينزي والأستاذ في كلية لندن للاقتصاد: "نحن لسنا سعداء بأن التوقعات أصبحت أسوأ. نحن نفضل كثيرا الحصول على رقم إيجابي، لكن هذه الاختلافات ليست ذات معنى من وجهة نظر صنع السياسة". مع ذلك، هناك دلائل تشير إلى أن غياب الانتعاش الاقتصادي الإيطالي يعمل على تغيير المعادلة بالنسبة لرينزي، فهي عمدت إلى التأكيد على زيادة الضغط عليه لتسريع إصلاحاته - المحلية والدولية على حد سواء. دعم مجتمع الأعمال الإيطالي يقول جيورجيو سكوينزي، رئيس مجموعة الأعمال الأكثر نفوذا في إيطاليا المعروف باسم كونفينداستريا: "اتخذ العبء الثقيل لقيادة إيطاليا بعيدا عن القوانين والثقافات القديمة، التي من شأنها أن تورِدنا إلى تراجع لا يمكن إيقافه. يجب أن نكون شاكرين لهذا العمل الجاد". هذا الدعم يمكن أن يتغير إذا لم يكُن هناك أي تحسّن ملموس، وهناك بالفعل بعض الدلائل على نفاد الصبر. آلام القوة العاملة في أيلول (سبتمبر)، بعد أن ساءت التوقعات، أطلق رينزي حملة لإصلاح سوق العمل تهدف لجعل تعيين وتسريح العاملين أسهل بالنسبة للشركات، حتى على حساب تحدّي النقابات العمالية واليساريين في حزبه. غير أن الاقتصاد المتباطئ قد يجعل من الصعب عليه إتمام الصفقة، أو قد يؤدي إلى نسخة مُخففة من التشريع، إذا أحس خصومه أنه في موقف أضعف. يقول ريكاردو باربيري، كبير الاقتصاديين لمنطقة أوروبا في شركة ميزوهو الدولية في لندن: "هذا يجعل كل شيء أكثر صعوبة. لفرض تغيرات صعبة، غالبا ما تحتاج إلى أزمة، لكن من السهل الإصلاح في سياق الآفاق الإيجابية". حقق رينزي فوزا كبيرا الشهر الماضي عندما وافق مجلس الشيوخ الإيطالي على إطار قانون العمل الجديد، لكن لا يزال يحتاج إلى الضوء الأخضر من مجلس النواب. حتى لو تم إقراره بنهاية هذا العام كما يتوقع رينزي، فإن جميع التفاصيل الحاسمة للخطة يجب أن تُملأ من خلال التشريعات الإجرائية، الأمر الذي قد يستغرق شهورا. يقول باربيري: "إن إصلاح سوق العمل تم إيقافه مبدئيا، وإطار القانون الذي تم تقديمه غامض جدا. إذا أراد رينزي منح الإحساس بتغيير حقيقي، كان ينبغي عليه التحرك في وقت أبكر". #2# كذلك الأداء الاقتصادي الضعيف قد أدى إلى تفاقم سوء وضع المالية العامة في البلاد، فقد استمرت مديونيتها كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في الارتفاع لتصل إلى 133 في المائة، تاركة رينزي مع خيارات محدودة لتحفيز الاقتصاد. ميزانيته الأخيرة - التي قدّمت تخفيضات ضريبية أكثر من تخفيضات الإنفاق – أقرت بهامش ضيق للغاية مع مفوضية الاتحاد الأوروبي المنتهية ولايتها، وهي بانتظار صدور حُكم هذا الشهر من المفوضية المُعينة حديثا بقيادة جان كلود يونكر. كجزء من الاتفاق، وافقت إيطاليا على تخفيض صغير بنسبة 0.3 في المائة في عجز ميزانيتها الهيكلية، والذي لم يكُن بالقدر الذي أرادته بروكسل، لكن أكثر مما رغبت فيه إيطاليا. في الوقت الذي يحاول فيه رينزي مكافحة التقشف وخلق المزيد من المرونة المالية العامة، اشتبك علنا مع أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، وعلى الأخص الشهر الماضي بعد تعليقها الساخر بأن الاقتصادات الأوروبية ينبغي أن تؤدي "واجباتها". وكان رد رينزي أن إيطاليا ليست "طالبا في مدرسة". في وقت سابق من هذا الشهر، تبادل انتقادات لاذعة مع يونكر، بعد أن قال إنه حتى الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي ربما: "يصبحون مناهضين للاتحاد الأوروبي" في وجه البيروقراطيين في الاتحاد. المساومة مع بروكسل مع ذلك، يقول مراقبو رينزي الإيطاليون إنه حتى الآن كان بارعا إلى حد ما في التعامل مع بروكسل، بتبديل الخطاب المتشدد المصمم لجمهور محلي، بتفاوض هادئ وراء الكواليس على الأرقام. على أن موقفه في أوروبا قد يعاني أيضا، في حال فشل الاقتصاد في النمو وتعثُّر الإصلاحات. يقول أولي ريهن العضو الفنلندي في البرلمان الأوروبي ومفوض الاتحاد الأوروبي السابق للشؤون الاقتصادية والمالية: "لقد نجح في إدارة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي ببراعة، لكني لست متأكدا أن هذا القتال من أجل بضع نقاط عشرية، فيما يتعلق بالموزانة هو المعركة المناسبة بدلا من تكثيف الإصلاحات". إذا استمرت الصعوبات الاقتصادية في إيطاليا أو أصبحت أسوأ، هناك تكهنات بأنها قد تجعل رينزي يراهن على الانتخابات الجديدة، ولربما العام المقبل. ومن المقرر أن يبقى البرلمان الإيطالي الحالي في السلطة حتى عام 2018، لكن تركيبته لا تناسب رئيس الوزراء، الذي يحكم ضمن غالبية ضئيلة. علاوة على ذلك، فإن الانتخابات الجديدة بإمكانها إغراق إيطاليا مرة أخرى في حالة من عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي لا يرغب رينزي فيه. على أية حال، لقد بدأ دعمه في التلاشي على خلفية الاقتصاد الضعيف، ويشعر أن برنامجه الإصلاحي في وضع حرج في البرلمان، لذا فقد يحاول استغلال موقفه القوي لتشكيل تشريع أكثر تجانسا للأعوام الخمسة المقبلة. أثيرت التكهنات حول إجراء انتخابات مبكرة من قِبل المفاوضات بين رينزي وسيلفيو بيرلوسكوني، رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب فورزا إيطاليا من يمين الوسط، بشأن قانون انتخابي جديد من شأنه منح المزيد من المقاعد للأحزاب والائتلافات الفائزة. وفي حين أن هذا ينبغي أن يجعل من السهل على رئيس الوزراء أن يحكم، لكن ليس واضحا ما إذا كان سيتم اعتماد هذا الاقتراح. رينزي يبقى شعبيا على الصعيد الشخصي، في حين أن حزبه الديموقراطي يحصل على تصويت قريب من مستوياته القياسية. لا يوجد منافس موثوق لسلطته الناشئة على يمين الوسط، وحركة النجوم الخمس الشعبوية بقيادة الكوميدي السابق بيبي جريلو، فقدت زخمها. يقول روبرتو داليمونتي، أستاذ العلوم السياسية في لويس، وهي جامعة في روما: "بإمكان معارضي رينزي إبطاءه لكن ليس بإمكانهم إيقافه، فهو يحظى بدعم شعبي واسع النطاق، وليس هناك بديل". في حين أن تصنيفات تأييده الشخصي تراجعت منذ شباط (فبراير)، إلا أنها تبقى بنسبة جيدة تبلغ 54 في المائة، لكن استطلاعات الرأي الأخيرة تُشير إلى أن عدم وجود انتعاش اقتصادي قد بدأ يُصيب البلاد من الداخل. استطلاع الرأي الذي أجرته وكالة "إبسوس" توصل إلى أن 16 في المائة من الإيطاليين يعتقدون أن الاقتصاد قد تحسّن منذ أن تولى السلطة، مع 25 في المائة يقولون إنه أصبح أسوأ. استثمار عضوية البرلمان يقول لوكا كومودو، مدير استطلاعات الرأي السياسية والاجتماعية في وكالة إبسوس في ميلانو: "لقد كان هناك استثمار كبير في رينزي من قِبل الشعب الإيطالي - القائم على الأمل، لكن الأمور تغيرت قليلا هذا الخريف - حيث يتوقعون الحد الأدنى من الانتعاش، لكن التوقعات تصبح أسوأ، وظروف عديد من العائلات تبقى صعبة والإيمان برينزي يتراجع". مع ذلك، يبدو أن حلفاء رينزي لا يزعجهم ذلك. يقول سيموني: "كانت إيطاليا في سياق نمو بطيء للغاية لفترة طويلة بحيث إنها الآن مُنهكة. إن الوعي بالحاجة إلى التغير مرتفع جدا لدرجة أني أعتقد أن فرصتنا كبيرة. هذه العملية هي ما يطلبه السكان". أثناء مواجهته أصحاب الأعمال والمديرين في بريشيا الأسبوع الماضي، لم يُظهر رينزي أي شعور بالضعف السياسي واستمر في إطلاق عبارات التفاؤل على الرغم من اقتصاد بلاده المريض وطغيان الروح القلقة، حيث قال - مُقدّما للجمهور احتمالا يبدو بعيدا اليوم: "إذا فعلنا ما نحن قادرون عليه، ستكون إيطاليا أحد المحركات التي ستشغِّل أوروبا خلال الأعوام القليلة المقبلة. هذه فرصة مذهلة، وعدم اغتنامها سيكون خطأ كبيرا بالنسبة لنا ولأطفالنا".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES