ثقافة وفنون

ما يمكن أن يتعلمه المثقف الغربي من العربي

ما يمكن أن يتعلمه المثقف الغربي من العربي

في مقال كتبه رولان بارت، ونستعرضه هنا، يوضح بارت ما يدين به لقراءة الروائي العربي عبدالكبير خطيبي. حيث نجد في هذا المقال الكثير من الملاحظات والعبر التي يمكن استخلاصها حول علاقة المثقف الغربي بالعربي وكيف يمكن للثقافة العربية أن تؤثر في الثقافة الغربية. رولان بارت فيلسوف فرنسي، ناقد أدبي، دلالي، ومنظّر اجتماعي. وُلد في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 1915 وتُوفي في 25 مارس 1980، واتسعت أعماله لتشمل حقولا فكرية عديدة. أثر في تطور مدارس عدة كالبنيوية والماركسية وما بعد البنيوية والوجودية، بالإضافة إلى تأثيره في تطور علم الدلالة. تتوزّع أعمال رولان بارت بين البنيوية وما بعد البنيوية، فلقد انصرف عن الأولى إلى الثانية أسوة بعديد من فلاسفة عصره ومدرسته. كما أنه يعتبر من الأعلام الكبار - إلى جانب كل من ميشيل فوكو وجاك دريدا وغيرهم - في التيار الفكري المسمّى ما بعد الحداثة. أما عبدالكبير خطيبي فهو روائي مغربي وعالم اجتماع، وإخصائي في الأدب المغاربي. ولد بمدينة الجديدة المغربية سنة 1938، وتوفي في الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين 16 مارس 2009 في أحد المستشفيات بالرباط، عن عمر يناهز 71 عاما. درس علم الاجتماع بجامعة السوربون، بباريس، حيث قدم مبحثا حول الرواية المغاربية (Le Roman Maghrébin)، حيث تطرق إلى إشكالية تجنب روائيّ الدعاية في سياق مجتمع في حقبة ما قبل الثورة. أصدر سنة 1971 روايته الأولى، الذاكرة الموشومة (La Mémoire Tatouée). نشر قصصا وروايات ونظم قصائد وكتب محاولات كثيرة حول المجتمعات والفن الإسلاميين. ينتمي إلى الجيل الشاب للستينيات الذي تحدى المعايير الاجتماعية والسياسية التي انبنى عليها المغرب العربي. يدرس عبدالكبير الخطيبي الأدب. يحظى هذا الأستاذ الجامعي بتقدير كبير ويعد من أهم المعلقين على الساحة السياسية المغربية. وفيما يلي نص المقال الذي كتبه الفيلسوف الفرنسي رولان بارت تعبيرا عن تأثره بكتابات الخطيبي وترجمه عبدالعالي نجاح: نهتم، أنا والخطيبي، بأشياء واحدة: بالصور والدلالات والآثار والحروف والعلامات. وفي الوقت نفسه، يعلمني الخطيبي شيئا جديدا، ويخلخل معرفتي، لأنه يغير مكان هذه الأشكال في بصري، ولأنه يحملني بعيدا عن ذاتي، في بلده الأصلي، وكأنني في أقصى نفسي. يعد الخطيبي راهنيا، ويسهم في ذلك الإشراق الذي ينمو اليوم بداخلي: شيئا فشيئا، أدرك كيف أن المشروع السيميولوجي الذي أسهمت فيه وما أزال، ظل سجين المقولات الكلية التي تقعد كل منهج في الغرب منذ أرسطو. كنت أفترض ببراءة، مسائلا بنية الدلالات، أن هذه البنية تبرهن على عمومية ما، وتؤكد هوية ما، التي لم تكن في العمق، بحكم المتن الذي اشتغلت عليه دائما، إلا هوية الإنسان الثقافي الغربي. ويقوم الخطيبي بمعنى ما بالشيء نفسه لحسابه الخاص، ويسائل الدلالات التي تظهر له هوية شعبه. ولكن الشعب ليس واحدا. إن شعبي لم يعد "شعبيا". لم تعد صورة هويته التي نسميها "تقاليد" سوى مادة متحفية (وبالضبط مادة بمتحف "التقاليد الشعبية" الكائن بمحاذاة بوا دو بولوني، وغير بعيد عن حديقة قديمة للحيوانات: وفي كلتا الحالتين، يتعلق الأمر بمحمية لـ"الغرابة"). إن ما مكنني مساءلته، على مستوى معين من السلم الاجتماعي الذي أوجد به، هو الفرنسي "الثقافي"، مصوغا بالموجات المتعاقبة للعقلانية والديمقراطية ووسائل الاتصال الجماهيري. وما يسائله الخطيبي هو إنسان "شعبي" كلية، الذي لا يتكلم إلا بالدلالات الخاصة به، الذي يجد نفسه دائما مخذولا من طرف الآخرين، سواء كان منطوقا (بواسطة الفلكلوريين) أم بكل بساطة منسيا (بواسطة المثقفين). إذا، أصالة الخطيبي ساطعة داخل إثنيته الخاصة: حتما صوته متميز، ومن ثم منفرد أيضا. ولأن ما يقترحه، بشكل متناقض، إيجاد الهوية والاختلاف في آن. هوية من معدن جد خالص وجد متوهج، والتي ترغم أي كان على قراءتها كاختلاف. وهنا يمكن لغربي (مثلي) أن يتعلم شيئا من الخطيبي. لا نستطيع فعل ما يفعله، ليس أساسنا اللغوي واحدا: لكن يمكن أن نأخذ عنه درسا في الاستقلال، مثلا: من المؤكد أننا واعون بانغلاقنا الإيديولوجي، وأن من بيننا من يبحث عن بعض أفكار الاختلاف بمساءلة الآخر المطلق، الشرق (الزن والتاو والبوذية)؛ ولكن ما يجب تعلمه ليس استظهار نموذج ما (تحول اللغة بيننا تماما)، بل إبداع لأنفسنا لغة "هيتيرومنطقية"، "لمامة" من الاختلافات، حيث يقوض المزيج قليلا المثانة الخطيرة (لأنها تاريخيا) جد قديمة للمنطق الغربي. لهذا، نحاول أن نكون "مزّاجين"، نستعير من هنا وهناك بقايا "الأمكنة الأخرى" (شيئا من الزن، وشيئا من التاو، ...إلخ)، وزحزحت تلك الهوية الغربية التي تجثم علينا دائما كلباس القديس (ليس دائما: فلها قيمتها وامتيازها). لهذا، لا يمكن أن نعود إلى ما هو "شعبي" فينا، فنحن لا نملكه؛ ولكن يمكننا الانفتاح على "شعبيات" أخرى، ويمكننا أن "ننزاح عن المركز" كما نقول الآن. وهنا تمنحنا كتب الخطيبي متتالية بارعة وقوية من الدلالات التي لا تقبل الاختزال ومفسرة في آن: مما يسمح لنا بالإمساك بالآخر انطلاقا من أنفسنا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون