Author

مصارف تكفكف دموع مساهميها

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«النظام المصرفي الحديث يصنع المال من لا شيء» جوزيف ستامب اقتصادي إنجليزي يستحق المساهمون في الشركات والمؤسسات الغربية الكبرى والصغرى التعاطف، من جراء الخسائر الفادحة التي أصيبت بها شركاتهم، كنتيجة طبيعية للأزمة الاقتصادية العالمية. فالخسائر نالت في الواقع من كل البنى التحتية والفوقية للاقتصاد العالمي. ولذلك شملت مستثمرين بملايين الدولارات، وفي الوقت نفسه أصحاب بقالات يستثمرون بألف دولار فقط. الخسائر واحدة، فمصيبة الخاسر لمئات الملايين من الدولارات هي نفسها الواقعة على الخاسر لبضعة آلاف من الدولارات. وفي كل الأحوال، يستحق الجميع التعاطف، ولاسيما أولئك الذين لا علاقة لهم بألعاب الاقتصاد المفتوح على كل شيء وأي شيء، دون ضوابط ومعايير. وبالطبع مع انعدام الأخلاق التي تمثل حصانة للسوق، بصرف النظر عن مكانها. لقد سخر المتلاعبون على مدى أكثر من عقدين من "أخلاق السوق"، بل كانوا يعتبرونها وهمية! اليوم يندب المساهمون في المصارف حظهم، لأنهم يدفعون غرامات ضخمة تفرضها الحكومات الغربية على مصارفهم، عقاباً على سلسلة من المخالفات، بل ومن الجنح التي يرقى بعضها إلى الجرائم الاقتصادية التغرير بالمودعين، والتلاعب بأسعار الصرف، الغش الواضح في القروض السكنية، إلى جانب تبييض الأموال العائدة لمنظمات وعصابات إرهابية وإجرامية، وتوفير الحصانة لأموال المتهربين من الضرائب في بلدانهم. ولكن، هل يستحق مساهمو المصارف "النادبون" التعاطف على غرار غيرهم من المساهمين في الشركات غير المصرفية؟ هذا السؤال طرح أخيرا في أكثر من ساحة إعلامية عالمية، من بينها جريدة "الفاينانشيال تايمز"، خصوصا في أعقاب الإعلان عن حقيقة الغرامات الهائلة التي فرضت على هذه المصارف. مع قبول إدارات المصرف تلو الآخر بهذه الغرامات دون اعتراض ذي قيمة، خوفاً من محاكمات قد تؤدي إلى انهيار بعض المصارف بالفعل. يقول توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة "أؤمن تماما، بأن المؤسسات المصرفية أشد خطرا من الجيوش الجرارة". وهو بذلك لخص حقيقة الخراب الذي يمكن أن تتسبب فيه هذه المؤسسات. ويبقى الجواب المباشر على السؤال العريض، هو أن مساهمي المصارف المعنية لا يستحقون أي تعاطف، بل على العكس تماما، عليهم الإجابة عن تساؤلات عديدة، تخص أداء مصارفهم في السنوات التي سبقت الأزمة العالمية. لماذا لم تعترضوا على أرباحكم الهائلة غير المبررة؟ لماذا لم توقفوا الإدارات التي قامت بكل الأعمال الموبوءة على مدى سنوات طويلة؟ لم قبلتم صمتا مروعا أدى إلى ما آلت إليه أحوال مصارفكم والاقتصاد العالمي كله؟ لماذا لم تطرحوا (حتى ملاحظات) عن مصادر الأرباح؟ حسنا، لم تكونوا على علم بالحقائق، ألم تسمعوا بالتحذيرات المتكررة عن فقاعة مصرفية تتشكل؟! هناك أسئلة أخرى عديدة يمكن أن توجه للمساهمين، لكن أحدا منهم لم يجب عنها، بل لا يجرؤ على الإجابة حقا. ولعل ذلك ما يتوافق مع ما قاله يوما الصناعي الأمريكي الشهير هنري فورد "من الأفضل أن الناس لا يعرفون نظامنا المصرفي والمالي. لو عرفوا بالفعل، أعتقد أن ثورة ستندلع قبل صباح اليوم التالي". هذا بالنسبة للناس العاديين الذين لا يرقون لمستوى المساهمين، وحتى المساهمين الذين لا يعرفون التفاصيل حقا، ألم تثر الأرباح الهائلة غير المبررة التي تلقوها أي شبهة أو حتى استغرابا عابرا؟! بالطبع لا يمكن تحميل المساهمين المسؤولية وحدهم فيما وصلت إليها أحوال المؤسسات المالية، ولكنهم يبقون جهة رئيسة توفر التمويل اللازم للأعمال المريبة لإدارات المصارف التي يتهمونها بالمخالفات والتجاوزات وحدها. والحق أن الحكومات نفسها التي تفرض الغرامات الهائلة حاليا، تتحمل الجانب الأكبر من المسؤولية. لماذا؟ لأنها تركت "الحبل على الغارب"، رغم علمها بأن الكارثة قادمة لا محالة، وأن التحذيرات التي تصدر من هنا وهناك حقيقية، وأن الظلام آت في عز النهار، وأنها (الحكومات) ستتحمل مسؤولية ما بعد الانهيار، من خلال إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المؤسسات المالية، ولاسيما تلك التي تمثل جزءا أساسيا (وأحيانا وحيدا) من السمعة الاقتصادية والمالية للبلاد كلها. على الجميع المسؤولية، ولا حجة لدى مساهمي المصارف في التهرب، عليهم أن يدفعوا الآن "ضرائب" لأرباح لم يكونوا يستحقونها بأي حال من الأحوال. والحق أنهم يعيدون حالياً ما حصلوا عليه، ليس بالغش فقط، بل بالمخالفات الخطيرة. والمثير، أن إدارات المصارف التي تمكنت من البقاء حتى بعد الانهيار، لم تتوقف نهائيا عن ممارساتها المريبة، إلا بعد أن تضافرت الجهود في البلدان الغربية من أجل كبح جماحها. وحتى الإجراءات ضدها أخذت وقتاً طويلاً قبل أن تنفذ بصورة قطعية. بعض المصرفيين يعتقدون أنه بمجرد شعور إدارات المصارف بالذنب وتأنيب الضمير والاعتذار، يكفي لإنهاء الحملة المتواصلة عليها. ولكن لم يثبت التاريخ الحديث حالة واحدة، أظهرت أن "مشاعر" هذه الإدارات صادقة. ففي عز الانهيار، منح المديرون التنفيذيون أنفسهم مكافآت صادمة من حيث حجمها الهائل. تم ذلك في وقت كانت الحكومات تضخ الأموال فيها للإبقاء عليها! ومن السخرية، أنه يتم إنقاذ المصارف من قبل أموال الناس الذين خسروا بسببها!
إنشرها