Author

«الإنترنت» من الداء إلى الدواء

|
لا نختلف اليوم على أن "الإنترنت" وما يرتبط به من وسائل التواصل الاجتماعي، مع ما فيها من الكثير من الفوائد العلمية والبحثية والمعلوماتية، تخدم شريحة كبيرة من الباحثين، إلا أن خطورة هذه الشبكة ونشرها لكثير من الفيروسات الاجتماعية التي عززت الفجوة المجتمعية بين أبناء الوطن الواحد وأبناء الأسرة الواحدة من خلال نقل المعلومات والأخبار والأحداث الشخصية التي لا ترقى إلى المعلومة الصحيحة وإنما تدخل ضمن الغيبة. يقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا المؤمنين "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم". هذه الدعوة الربانية الواضحة بتجنب الظن وأن بعضه إثم، والنهي عن التجسس والغيبة وتشبيه ذلك بأكل الأخ لحم أخيه الميت، هذا النهي والتشبيه يجعل القلب يتوقف من خطورة هذا الأمر، وعندما نعكس ذلك على ممارساتنا اليومية في القراءة والكتابة من خلال مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وما نعرض له أنفسنا من الغيبة والنميمة المباشرة في نقل الأخبار أو التغريدات عن الأشخاص دون تأكد من صحة معلوماتنا، وإن كانت المعلومات صحيحة فإن الترفع عن نقلها والتعرض لأعراض الناس مما أوجبه الإسلام، لأننا إذا قلنا ما فيه فقد اغتبناه وإذا لم يكن فيه فقد بهتناه. يروي أنس بن مالك رضي الله عنه في هذا المعنى فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت يا جبريل من هؤلاء، قال :هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم". وهنا دعونا نفكر كم واحد منا يقع في مثل هذا الفعل يوميا خصوصا مع وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها السيد "تويتر" كتابة و تغريدا وإعادة تغريد، وكم من الآثام والفيروسات التي نتعرض لها وتفتك بنا بسبب هذا الفعل المشين. حتى لو اعتقد البعض أنه يختفي خلف اسم أو أسماء مستعارة لا يعرفها أحد، وينسى أن الأحد الفرد الصمد يعرفه ويسمعه، وأنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. كما أكد الله سبحانه وتعالى عدم اتباع الكذابين بقوله "ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم". روي عن أحد الصالحين أنه شاهد شابا قوي البنية صحيح الجسم يتكفف الناس على باب المسجد فقال في نفسه: لو أنه ذهب وعمل عملا انتفع منه فأصبح في غنى عن مسألة الناس. فنام تلك الليلة فرأى الملائكة تقدم له لحم ذاك المتسول على طبق و تطلب منه أن يأكل منه فعرف الصالح غلطته وقال: إننى ما اغتبته ولكنه خاطر مر على قلبي، فأجابته الملائكة: إن مثلك يحاسب على خطرات القلوب". والمحاسبة هنا على الخاطرة التي تسيء للناس بالذنب نفسه الذي يقترف. وما نعيشه اليوم في عالمنا الفضائي المعروف بعالم "الإنترنت" من أمراض و فيروسات إنسانية تفتك بنا أشد فتكا من كثير من الأمراض المعاصرة، وهي في نظري أخطر من "كورونا" و"إيبولا" وغيرها لأنها أمراض تنتظرنا يوم لا ينفع مال وبنون. إن النجاح الحقيقي الذي يمكن أن نحققه في عالمنا الافتراضي العالمي هو تحويل داء أو مرض "الإنترنت" من داء إلى دواء من خلال حرص كل واحد منا على ألا يكون مصدر خبر أو شائعة أو تغريدة تكون سببا في إيذاء إنسان مسلم لا يعلم عواقبها إلا الله سبحانه وتعالى. ولعل خير العمل هو العمل الذي ينفع صاحبه يوم يكون في شغل يلهيه عن كل الأهل والأحبة "يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل أمرى منهم يومئذ شأن يغنيه". جعلنا الله جميعا من أصحاب "الوجيه" المسفرة الضاحكة والمستبشرة وأبعد عنا داء "الإنترنت" الذي يقود إلى أصحاب "الوجيه" المغبرة التي ترهقها قترة. وأخيرا أسأل الله سبحانه وتعالى ألا نموت وتبقى ذنوبنا على قيد الحياة تزيد من آثامنا بسبب تغريدة عابرة تبقى شاهدة ضدنا، وذنبها تتراكم فوائده السيئة علينا حتى قيام الساعة. وفقنا الله جميعا لما يحب و يرضى. وقفة تأمل: لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات و للناس ألسن وعينك إن أبدت إليك معايب فصنها و قل يا عين للناس أعين.
إنشرها