Author

إرهاق العاصمة

|
واجهت البرازيل إشكالية ازدحام "ريو دي جانيرو" بقرار استراتيجي ببناء عاصمة جديدة للبلاد. فتم بناء مدينة بالكامل وسط البرازيل اسمها برازيليا هي العاصمة اليوم. توجد في العاصمة مقار الوزارات والسفارات والبرلمان وما يلحق بها من خدمات. يسكن برازيليا اليوم أكثر من مليوني نسمة. حافظت مدينتا "ساو باولو" و"ريو دي جانيرو" على جاذبيتهما الصناعية والسياحية، رغم نشوء العاصمة الجديدة. السبب المهم أن العاصمة لم تأخذ منهما أيا من تلك المزايا، بل إنها أسهمت في إحياء مناطق وسط البرازيل وأصبحت مركزا يربط مختلف الولايات. يذهب الناس لكل دول العالم فيجدون العاصمة مركزا سياسيا وإداريا للدولة بالدرجة الأولى، بل إن بعض الوجهات السياحية في دول كثيرة أكبر من العواصم. عواصم مثل برن السويسرية، وأوتاوا في كندا، وكانبرا في أستراليا وواشنطن الأمريكية ليست أكبر المدن في الدولة. ذكرت ما سبق لأعود لقضية أرّقت الرياضيين واستغربوها، عندما انخفض معدل الحضور في مباريات المنتخب، كثرت التأويلات لهذا الغياب، لكن الواضح أن العاصمة عندنا "مرهقة". هذا الإرهاق هو نتيجة حتمية للاعتقاد أن كل شيء لا بد أن يكون في العاصمة. يمكنني أن أذكر أمثلة كثيرة على عدد كبير من مكونات العاصمة التي لم يكن هناك ما يستدعي أن تنشأ في الرياض. لكن الأكثر إشغالا للمدينة وإرهاقا لخدماتها وسكانها هو تحولها إلى مدينة صناعية وتجارية وحتى صحية، إضافة إلى قيمتها السياسية المعلومة. حالة نتجت عن التخطيط السيئ ربطت كل الخدمات بالعاصمة حصرا. تحولت عاصمتنا إلى أكبر مدينة، إذ يتجاوز عدد سكانها 20 في المائة من سكان المملكة، وهو رقم خطير ومرشح للارتفاع، يؤدي أمر كهذا إلى استمرار محاولات تغطية الخدمات لأعداد السكان المتنامية، ويؤدي إلى أخطاء كثيرة في المشاريع ونقص مستمر في الخدمات. تحتضن العاصمة أغلب المؤتمرات والفعاليات والبطولات والاحتفالات، وهي مقصد رجال الأعمال وطالبي العلاج وموظفي الدولة والقطاع الخاص. ضغط كبير على سكانها، دفع بهم إلى اعتزال كل شيء. هنا تصبح الراحة في البيت أهم من الخروج لمشاهدة المباريات أو التنزه في الحدائق. تستدعي هذه الحقائق أن يقوم مخططو العاصمة ومسؤولو القطاعات كافة بمحاولة وقف التوسع الكبير للعاصمة ومحاولة تشجيع المستثمرين والدفع بالمشاريع إلى المدن الأصغر مساهمة في تنمية متوازنة منطقية.
إنشرها