Author

آفات النمو الاقتصادي ... دعم الطاقة مثالا

|
اتفق زعماء قمة العشرين في بيانها الختامي في مدينة بريسبين الأسترالية على ضرورة تحفيز النمو الهزيل للاقتصاد العالمي والوصول إلى معدل نمو بنسبة 2.1 في المائة بحلول عام 2018. ومن أهم الإجراءات التي تم الاتفاق عليها لتحفيز نشاطاتها الاقتصادية هو الاستثمار المكثف في البنى التحتية اللازمة لاستيعاب هذه الأنشطة واستهداف تنمية الشرائح السكانية الأكثر فقرا. وأظهرت المملكة اهتمامها نحو الدول الفقيرة في الكلمة التي ألقاها ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز من خلال تعزيز وصولها إلى مصادر طاقة مستدامة وموثوقة وبتكاليف معقولة، كشرط أساس لخفض حدة الفقر وتحقيق تنمية شاملة. كما أشار الأمير سلمان إلى أهمية الجهود الرامية لتخفيف حدة آثار إعانات الطاقة في الأوضاع المالية العامة وشدد على أهمية مراعاة الظروف الداخلية لكل دولة. ولعلي في هذا السياق أنقل التجربة المصرية التي اتخذت إجراءات جريئة للتخلص من حدة آثار إعانات الطاقة في اقتصادها بعد أن وصلت إلى مرحلة حرجة للغاية. وقبل الخوض في تفاصيل التجربة، يجب التوضيح أن أبرز ما يميز مصر هو تنوع أنشطتها الاقتصادية حيث يعتمد دخلها على الضرائب المفروضة على السياحة والصناعة وقطاع الخدمات والأعمال، وما زالت تصدر بعض المحاصيل الزراعية على الرغم من الانخفاض الحاد عن معدلاتها السابقة. كما يعتمد دخلها على قناة السويس حيث تعبر من خلالها سلع تعادل قيمتها 8 في المائة من إجمالي حجم التجارة العالمية من ضمنها ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا. وفي منتصف العقد الماضي كانت المؤشرات تدل على تسارع النمو الاقتصادي بوتيرة مذهلة مقارنة بالمعدلات العالمية. إلا أن الربيع العربي كشف مدى سطحية مؤشرات نمو الاقتصاد الكلي وظهرت أهمية الاستدلال بمؤشرات الاقتصاد التنموي المعنية بتشخيص حال الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود. ويظهر ذلك جليا في أدبيات قمة العشرين الأخيرة التي أصبحت تركز بعناية في هذه الفئات. وبالفعل انحصرت معظم آثار النمو الاقتصادي في مصر - خلال ما يعتقد أنها فترة ازدهار - على الطبقة النخبوية قبل أن تستفيد منها الطبقات التي تليها وهكذا حتى لم يتبق للطبقات الدنيا – التي تشكل قاعدة سكانية عريضة – إلا البؤس والحسرة على حالها. فشل التشخيص المبكر والاعتماد على المؤشرات التي تجاهلت تدني الوضع الاقتصادي والاجتماعي لغالبية الشعب المصري ساهم إلى حد كبير في إشعال شرارة الثورات المتعاقبة في الأعوام الثلاثة الأخيرة. وبعيدا عن نظريات المؤامرة، يتفق كثير من المحللين على أن الفساد المتمثل بالتوأمة السيامية بين الحاكم والتاجر واختلاط المبادئ والقيم التي قدمت المصالح الشخصية على المصلحة العامة يعد السبب الرئيس لتدهور الأوضاع كافة. الجدير بالذكر أن الإعلام المحلي أصبح يشير صراحة إلى أن نظام دعم الطاقة يعد من مظاهر الفساد لسببين. السبب الأول أن الدعم الذي أثقل كاهل الموازنة الحكومية كان يخدم بالدرجة الأولى مصالح الصناعات والأعمال الكبيرة ومع ذلك استطاعت أغلبها التهرب من التزاماتها الضريبية نحو الحكومة. هذا إلى جانب حقيقة أنها كانت قادرة على تحمل تكاليف الطاقة دون دعم. السبب الثاني أن الدعم كان عاملا رئيسا في تأجيل إصلاحات هيكلية ضرورية لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للطبقات الفقيرة حيث تعاملت حكومة مبارك مع الدعم وكأنها كفت ووفت بالتزاماتها نحوهم. إلا أن المعضلة تطورت بوتيرة متسارعة في الأعوام الثلاثة الأخيرة من معضلة ارتفاع أسعار إلى معضلة إمداد بسبب عدم قدرة الحكومة على تحمل فواتير الاستيراد، الأمر الذي عطل تشغيل نسبة كبيرة من الصناعات والأعمال، إضافة إلى ظاهرة الانقطاع المتكرر والمطوّل للكهرباء. فبعد أن كانت تصدر النفط الخام والغاز المسال أصبحت اليوم لا تستطيع تلبية احتياجات الاستهلاك المحلي بسبب الدعم الحكومي المفرط الذي يكلف خمس الموازنة الحكومية. إلا أن الحكومة الحالية وصلت لقناعة بعد مقاومة شديدة أن رفع الدعم لم يعد خيارا وإلا ستغرق في مزيد من الديون الخارجية كما ستزيد معدلات انقطاع الكهرباء لعدم توافر الغاز بكميات كافية. والمتداول أن الجانب الإماراتي كان له دور فاعل في إقناع الحكومة بضرورة رفع الدعم. وفعلا اتخذت قرارا صعبا جدا برفع أسعار الطاقة تدريجيا وبنسب عالية على مدى خمسة أعوام. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الأثر المتوقع لتلك الإجراءات في نمو الاقتصاد المصري وفي المستهلكين؟
إنشرها