Author

قتل السوريين لكيلا يموتوا جوعا

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«عندما يكون الطغيان حقيقة، تكون الثورة محقة» فيكتور هوجو أديب فرنسي راحل بعد تصدير اللاجئين والنازحين بحيث وصل عددهم إلى المستوى الثاني بعد اللاجئين الذين خلفتهم الحرب العالمية الثانية، يقوم سفاح سورية بشار الأسد بتصدير غذاء السوريين. إلى من؟ إلى روسيا. والحق يمكن لأتباع الأسد (الذي يستوي عنده قتل مسلح وقتل رضيع) يمكنهم القول، إن عدد سكان سورية بلغ النصف منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، وبالتالي هناك مبرر لتصدير المنتجات الزراعية بأنواعها! بالطبع لا يقولون ذلك علانية؛ لأنهم يعترفون رسميا بأن هذا النظام الوحشي إلى لا حدود، قلص عدد البشر في سورية إلى النصف في مدة زمنية صادمة من حيث قصرها، ومفجعة من جهة ما حفلت بالفظائع والخراب، إلى جانب الأكاذيب والمشاعر الطائفية الصادقة التي أظهرها الأسد وأعوانه ضد كل فرد صادف أن يكون سوريًّا. رهن أسوأ نظام عربي على الإطلاق، مستقبل سورية للخراب المستدام حتى بعد أن يأتي اليوم المؤكد لزواله. ليس فقط عن طريق الديون التي اقترضها باسم السوريين لقتل السوريين أنفسهم بناتجها، وليس من خلال تملك جهات أجنبية حكومية إيرانية وروسية حقوقا طويلة الأجل في البلاد، وليس أيضاً بإفراغ كل خزائن البلاد للإنفاق على السلاح الذي يضمن استمراريته في الحكم ليوم إضافي آخر، وليس عبر السرقة التاريخية لمقدرات البلاد، وفي مقدمتها النفط. هناك دائما أدوات جديدة للخراب الآني والمستقبلي. والأسد الأب والابن تخصصا في ابتكار الجديد في الخراب، لا الجديد في النمو والانتعاش، والأهم لا الجديد في الوطنية والتسامح. لقد أثبتا طائفية دنيئة متجددة، من تلك التي تبرر قتل الرضيع، وبقر بطن المرأة الحامل. بل من تلك التي تستسهل ضرب الأطفال بالسلاح الكيماوي. اليوم، غذاء السوريين يصدره الأسد لروسيا. ولا غرابة في أن تقبل موسكو هذا النوع من الصادرات، لسبب واحد فقط، أن من يحكمها هو نظام مارق، يمارس سياسة قطاع الطرق، بدلا من سياسة الدول، وهذا النوع من الأنظمة يمثل الوقود الحيوي والعضوي والاصطناعي لأنظمة مشابهة لنظام الأسد، رغم أنه لا يوجد له نظير، على الأقل منذ أعقاب الحرب الثانية. والأهم من هذا، أن روسيا (كما إيران) شريكة في الحرب على الشعب السوري. وغذاء السوريين الذي يصل إليها، هو في الواقع مرسل من حليف إلى حليف في هذه الحرب. دون أن ننسى أن روسيا الهشة اقتصاديا وإنتاجيا منذ الأزل، تعرضت إلى ضغوطات غذائية حقيقية، بمجرد إعلان العقوبات الغربية عليها. وهي الآن تئن ماليا واستثماريا، فضلا عن أنينها الناتج عن التراجع الكبير في أسعار النفط. فهي في النهاية بلد لا يرتزق إلا على النفط وتصدير السلاح حتى إلى العصابات. والقمح (مثلا)، لا يشكل شيئاً أمام عوائد النفط والسلاح. يصدر الأسد غذاء السوريين إلى روسيا، بعد أن زادت أسعار الغذاء في كل أنحاء سورية إلى أكثر من 300 في المائة. وحتى في المناطق التي يحاول الأسد وعصاباته تسويق "هدوئها"، يعاني سكانها مشاكل معيشية لا تتوقف عند حد، بسبب الغلاء الناجم أيضا عن التراجع "الماراثوني" لسعر صرف الليرة. أي أن ما تبقى من السوريين في سورية، يواجهون شح الغذاء بسبب تصديره إلى الحليف المارق، وارتفاع أسعار المتوافر منه لشح المعروض وانخفاض العملة التي تتآكل قيمتها كل يوم. ويتم تصدير كل شيء تقريبا، ولو أراد فلاديمير بوتين استيراد القمح من سورية! لما تردد الأسد في التصدير، حتى لو كان هذا القمح روسيا أصلا. لقد وصل الأمر (وفق مسؤولين في النظام نفسه) لتصدير منتجات زراعية معلبة! فالأمر ليس مقتصرا على منتجات زراعية فقط! يتم كل هذا في الوقت الذي أعلنت فيه أكثر من جهة دولية، بما فيها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، أن عدد محتاجي المساعدات الماسة للغذاء في سورية ارتفع بنسبة 50 في المائة منذ يونيو 2013 وحتى مطلع العام الحالي. وهناك مساحة زمنية لم تغطها (الفاو) بعد فاصلة بين الربع الأول من العام الجاري والربع الأخير منه. واستنادا إلى المنظمة نفسها، فإن ما يزيد على 6.3 مليون نسمة بحاجة ماسة إلى الغذاء، وإلى ماذا أيضا؟ إلى المساعدة الزراعية. وترى (الفاو)، أن الأسباب الرئيسة لهذه الوضعية الخطيرة، تتمثل في محدودية الغذاء، وعدم قدرة الناس على الوصول إليه أو تحمل تكلفته، وتقول "فالحقول والأصول الزراعية تركت أو دمرت بسبب العنف والتشريد، وزيادة تكاليف الإنتاج ونقص الإمدادات الزراعية الأساسية". التقديرات الأكثر محافظة، تشير إلى أن عدد النازحين السوريين ضمن بلادهم بلغ سبعة ملايين نسمة، إلى جانب ما يقرب من 5 ملايين باتوا في عداد اللاجئين. ونظام وحشي طائفي كنظام الأسد، لن يتردد في خفض عدد النازحين لتحويلهم إلى لاجئين، إذا ما وجد أن ذلك يتوافق من الناحية الاقتصادية مع جدوى تصدير غذاء سورية إلى روسيا. بل لن يتردد على الإطلاق في قتل هؤلاء، ربما بحجة عدم تعريضهم للموت جوعا.
إنشرها