Author

مؤشرات الاستدامة (2)

|
إلحاقا بمقال الأسبوع الماضي الذي تحدثنا فيه عن مكونات الاستدامة، ابتداء من أطر الحوكمة الداخلية مرورا بعناصر الإفصاح المختلفة، البيئية والاقتصادية والاجتماعية، فإننا نكمل اليوم ما بدأناه وذلك بالحديث عن أبرز المؤشرات العالمية للاستدامة. ولا يخفى الدور الكبير للاستدامة في تحديد التوجهات الاستثمارية للمستثمرين في الدول المتقدمة خصوصا بعد اعتماد الكثير من الشركات على التقارير المتكاملة، حيث يتم إصدار تقارير الاستدامة جنبا إلى جنب مع التقارير السنوية للشركات. وسيكون حديثنا مرتكزا على مؤشرات داو جونز العالمية للاستدامة، الذي حققت 72 في المائة من الشركات المدرجة به نتائج مالية تصاعدية، وقبل ذلك كله استدامة الأداء على المدى المتوسط. وتعتبر مؤشرات داو جونز للاستدامة حاليا المرجعية الرئيسة للمستثمرين حول العالم المتطلعين إلى إدراج الشركات المتميزة في مجال الاستدامة إلى محافظهم الاستثمارية. بداية، يتم تشكيل مؤشرات داو جونز من 2500 شركة موزعة على 24 قطاعا مختلفا، تقوم شركة ريبيكو سام باختيارها. وتقوم داو جونز بالتعاون مع ستاندرد آند بورز بوضع أفضل المعايير الاقتصادية والبيئية والاجتماعية لكل قطاع على المدى الطويل. ومما سبق نلاحظ أن هناك تعاونا بين ثلاث جهات: داو جونز كمؤشر، والمعايير من ستاندرد آند بورز، واختيار الشركات من شركة ثالثة، مع ملاحظة الاستقلالية التامة لكل منها. ومن المؤكد أن السؤال المنطقي الآن هو: لماذا كل هذا الاهتمام بالشركات المدرجة بمؤشرات داو جونز للاستدامة؟ بلا شك يعتبر اختيار المعايير الدقيقة مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات القطاعية أحد أهم الأسباب. ولكن السبب الذي تجدر الإشارة إليه هنا هو محتوى الإفصاحات لتلك الشركات، التي تحمل في طياتها الكثير من المعلومات التي لا يمكن استنباطها من القوائم المالية. فمثلا، العديد من الشركات الأوروبية تقوم بتعيين مستشار هندسي للتأكد من صلابة أساسات مصانعها، ومن المعروف الارتباط الوثيق بين صلابة الأساسات واستمرار وسلاسة العمليات التشغيلية. وكذلك عندما واجهت جونسون آند جونسون بعض المشاكل في علاقاتها مع العملاء، أعلنت جونسون آند جونسون في تقريرها للاستدامة قبل عامين عن اتخاذها إجراءات سريعة وفورية، وكذلك عن إشراك التنفيذيين بشكل أكبر. بالطبع يمكن للقوائم المالية قياس حجم خسارة أحد العملاء على المبيعات بعد أن يكون قد وقع الضرر، ولكن لا يمكن لأي من القوائم المالية التنبؤ بذلك أو حتى رصد المؤشرات الأولية، كما لا يمكن من خلال القوائم المالية على سبيل المثال معرفة ما إذا كانت الإهلاكات المعلن عنها للمعدات المستخدمة صحيحة، ذلك أنه يمكن بكل بساطة أن تتكتم الشركة على مشكلة تقنية في أحد المعدات يؤدي إلى التعجيل باستهلاكها أو تحمل الشركة مبالغ كبيرة من أجل الصيانة. ومن هنا ظهرت طبقة جديدة من المستثمرين الحذقين الذين يقومون بقراءة ما بين السطور وتقييم الشركات بشكل شامل بدلا من الطريقة التقليدية التي ترتكز على تقييم الشركات بناء على البيانات المالية الحالية وبناء التوقعات المستقبلية بالاعتماد عليها. ومن الملاحظ أيضا أن إفصاحات الاستدامة أخذت في التطور السريع على مدى السنوات الخمس الأخيرة، فالمبادرة العالمية لإعداد التقارير أعدت قائمة إفصاحات إضافية حسب القطاع، ومن المتوقع قريبا أن تكون المؤشرات المفصح عنها ذات صلة وثيقة بالسياق المحلي، وهذا يزيد من كفاءة تقييم المستثمر للشركة بشكل خاص والقطاع بشكل عام من منظور محلي. ولا ننسى أيضا أن الإفصاحات تحمل في طياتها معلومات أخرى لا تقل أهمية عما ذكر، مثل استعداد الشركة لأي تغييرات تشريعية أو قطاعية. وقد لاحظنا الأثر الكبير لقرار وزارة العمل ترحيل العمالة المخالفة في الشركات مثل التقلص الكبير في حجم المبيعات السنوية لبعضها، فالمستثمر يهمه أيضا سرعة وقدرة الشركة على التكيف مع القرارات الجديدة والمفاجئة، وقبل ذلك كله مبادرة الشركة بأخذ الإجراءات الوقائية للحد من التأثيرات السلبية المحتملة التي قد تنتج عن أي قرار. وختاما، يجدر بنا التنويه على أنه من أجل أن يكون مؤشرنا للاستدامة مستداما لابد من تحقيق الشركات المشكلة له استدامة حقيقية، فنحن لا نريد اختيار شركات تفقد المؤشر مصداقيته ويصبح عندها المؤشر محدود الأثر في تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها.
إنشرها