Author

أثر تراجع النفط في العقار

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
تجاوزت نسبة تراجع سعر النفط عالميا حتى الأمس 26.2 في المائة، وذلك منذ بدأ التراجع في 11 آب (أغسطس) الماضي، أي أنه فقد في أقل من ثلاثة أشهر أكثر من ربع قيمته، ومع توقعات استمرار تلك التراجعات والتقلبات في سعره العالمي، وإزاء ما يواجه الاقتصاد العالمي من تحديات جسيمة لعل من أبرزها تقليص تفاوت الدخل بين طبقات المجتمع بمختلف الاقتصادات، وفيما بينها كمجموعات اقتصادية وتجارية، ومواجهة ارتداد البنوك المركزية عن سياساتها التوسعية في ضخ السيولة، هذه الاعتبارات وغيرها ستشكّل منعطفات بالغة العسر في طريق المستقبل للأعوام القليلة المقبلة. يتمتع الاقتصاد السعودي بعديد من المزايا "المالية" رغم المعوقات الهيكلية "الاقتصادية"، وأقصد هنا بتوافر رصيد ضخم من الاحتياطات المالية، التي ستساعده على أقل تقدير لعامين مقبلين على تحمّل الصدمات التي قد تتسبب فيها تلك المنعطفات العالمية، ولو أنّها تحوّلت في وقت مضى إلى ركائز للاستقرار والنمو الاقتصادي، عبر ضخّها فيما يدعم قاعدة تنويع الإنتاج، وتخفيف الاعتماد على النفط، لكانت الأوضاع أفضل بكثير مما نتطرّق إليه الآن. ولكن في ثنايا هذه التطورات لا بد أن يأتي عدد من الانعكاسات الاقتصادية بعضها محمود، وآخر منها غير محمود، تقتضي تحركا على مستوى السياسات والبرامج الاقتصادية والمالية الجامدة منذ عقود طويلة، وهذه ستكون لها أحاديث مطوّلة، وفق ترتيب منتظم لتكتمل الصورة العامّة التي ينشد الكاتب بلورتها أمام القارئ الكريم. إنما سيتركز الحديث هنا على آثار وعلاقة ما يجري للنفط في السوق العقارية، وهو الحديث الممتد منذ عدة أشهر مضت، كونه الملف الأكثر تعقيدا ضمن ملفاتنا التنموية الراهنة، وضرورة أن تتضح الصورة كاملة لدى المواطن الباحث عن تملّك مسكنه، وسط هذه التطورات المتسارعة، سواء بمصادرها المحلية أو الخارجية، التي يؤمل بناء عليها أن يتخذ قراراته على أرض صلبة، تحقق له الفائدة المأمولة، وتكفيه التورط فيما قد لا تحمد عقباه؛ كالشراء بأسعار مبالغ فيها بدأت ترتد وتتراجع من الشهر الماضي، ويتوقع أن تستمر تراجعاتها للأشهر المقبلة، وحمايته من التورّط في ديون طائلة مع مؤسسات التمويل والمصارف، قد يقضي حياته الوظيفية في سداد أقساطها، رغم أنّه كان بالإمكان تحقيق غرض التملك بأقل من تلك التكلفة باهظة الثمن والأعباء والفوائد بما لا يقل عن 60 إلى 70 في المائة. لم يكن مستغربا في وقت مضى، أن يحتجّ ملاك وسماسرة التراب على ارتفاع سعر النفط كمبرر لارتفاع أسعار الأراضي والمساكن، رغم أنه استغل أسوأ استغلال، ذلك أن أسعار العقارات ارتفعت بأكثر من خمسة أضعاف ارتفاع سعر النفط! واليوم نشهد مسارا عكسيا تماما، يضاف إليه عدد من المتغيرات التي تدفع إلى الضغط على مستوى الأسعار المبالغ فيها، كتدخّل الدولة، أيدها الله، ممثلا في عديد من المشاريع الإسكانية، والقرارات التنظيمية، والإجراءات التي تستهدف إعادة تنظيم السوق وتطويرها، بما يؤهلها لأن تتحول من محارب لمقدرات الاقتصاد والمجتمع، إلى حقل نشط يدعمهما ويحقق لهما الاستقرار والنمو الحقيقي. كما أنّ تراجع النفط يحمل بعض (النّذر) فهو أيضا يحمل كثيرا من (البشرى)، وتلك سنة الله في الخلق، فجميع العوامل السابقة أعلاه باختصار ما عرضت عليه؛ تنبئ عن مزيد من الانخفاض سيلمسه المواطن ليس فقط على مستوى العقارات، بل حتى مستوى العديد من أثمان السلع والخدمات دون استثناء، كل هذا يجب أن يوظفه المواطن عبر معادلة (الوعي، العلم، المعرفة) فيما يحقق له أهدافه ومصالحه، التي تلتقي دون شك مع المصلحة العامّة، وبناء على كل ذلك عليه أن يتوخى أعلى درجات الحيطة والحذر أمام ممارسات الغش والتلاعب والتدليس التي يحاول المنتفعين من تشوهات السوق العقارية (تجار التراب وسماسرته) تمريرها إلى قناعاته، وأن يدرك المواطن تمام الإدراك أن ما يعرض عليه اليوم بأثمان باهظة، في مقدوره الحصول عليه في منظور عدة أشهر مقبلة بأقل من قيمته المبالغ فيها اليوم، بما لا يقل عن 50 - 70 في المائة، ودون أن يتورط في تحمّل ديون مصرفية وتمويلية طائلة، سيظل يسددها طوال 20 إلى 25 سنة مقبلة. تمر السوق العقارية في الوقت الراهن بتحولات هائلة، لا يجب ولا يجوز أن تفوت المواطن ثمارها ومكاسبها، خاصة أنه كان أكبر الدافعين لثمن تشوهاتها طوال الأعوام الماضية، ويجدر بكل من يملك المعلومات والرأي المحايد ألا يبخل به عليه، ولهذا تفرض النصيحة الصادقة هنا نفسها؛ أن يرجئ أي قرارات بالشراء مقابل هذه الأسعار المبالغة التي بدأت تنتكس وتتراجع، إلى حين استقرارها عند المستويات العادلة، التي تتوافق مع مستويات دخله وقدرته المالية، وألا يعرّض أمواله ومدخراته إلى مخاطر التضخم الآخذ في التناقص، وإلى الفوائد والديون المصرفية الطائلة. ألم يلفت انتباهه هذه العروض الهائلة من إعلانات البيع عبر طول وعرض شوارع المدن والأحياء؟ إنها تشير إلى فائض في عرض الوحدات السكنية، ثبت بالإحصاءات الرسمية تجاوزها حتى العام الجاري أكثر من 635 ألف وحدة سكنية! إن الشراء في الوقت الراهن بهذه الأسعار المبالغ فيها، في الوقت الذي بدأت تشهد تراجعات لافتة، ويتوقع أن تمتد إلى أعوام مقبلة، يؤكدها ما تم التطرق إليه أعلاه من اعتبارات وتطورات، يعد خطأً فادحاً ثانيا بحق المشتري! فالخطأ الأول تحمله من جرّاء الارتفاعات السابقة، من خلال تحمّله آثار التضخم في الأسعار وارتفاع أثمان الإيجارات الغالية، وإن لم يتمكّن من الشراء وفق تلك الظروف الصعبة! وحينما يستسلم اليوم في الوقت الذي كان مقدرا أن يجني ثمار صبره وتحمله، يتورط دون وعي وعلم ومعرفة في استمرار تحمله أعباء مالية باهظة، في الوقت الذي سيشهد تراجع ثمن الأصل العقاري الذي تملكه في الوقت الخطأ، وبالسعر الخطأ، بما لا يقل عن نصف قيمته! على المواطن إدراك ما أرمي إليه، وأنه هو المسؤول الأول عن حماية دخله ومقدراته المالية والاجتماعية، وهذا لن يتحقق له إلا بحرصه واهتمامه ضمن إطار تطويره (الوعي، العلم، المعرفة) كمثلث يؤهله لعيش حياة جيدة، دون تحمّل ديون وأعباء ترهق حياته وحياة أسرته الكريمة، اللهم إنّي بلغت اللهم فاشهد. والله ولي التوفيق.
إنشرها