FINANCIAL TIMES

فصل جديد في ملحمة سرقة حقوق الملكية عبر الأطلسي

فصل جديد في ملحمة سرقة حقوق الملكية عبر الأطلسي

عندما تم التصويت على قانون وقف القرصنة عبر الإنترنت في الكونجرس الأمريكي قبل عامين، في أعقاب حركة احتجاج بتشجيع من صناعة التكنولوجيا، اتهم روبرت ميردوك، رئيس مجلس إدارة مجموعتي الإعلام، نيوز كورب وتونتي فيرست سينتشري فوكس، الرئيس باراك أوباما بأنه "انضم إلى دافعي الضرائب في وادي السليكون الذين هددوا جميع مبتكري البرمجيات بالقرصنة والسرقة الواضحة". لكن من الناحية التاريخية، أعمال ميردوك نفسها ليست نظيفة بالكامل. دار النشر هاربر آند براذرز في نيويورك، وهي سلف هاربركولينز التابعة لنيوز كورب، كانت واحدة من أكبر شركات إعادة طباعة الكتب في القرن التاسع عشر. كانت تطبع الكتب البريطانية بدون ترخيص وتنشرها في الولايات المتحدة. وكانت الولايات المتحدة تعمل على إغضاب المؤلفين والناشرين البريطانيين من خلال رفض حقوق الطبع والنشر الدولية. اشتكى آرثر ساليفان، المؤلف الإنجليزي الذي شارك في كتابة "قراصنة بينزانس" "يبدو أن هذا هو رأيهم، أن المواطن الأمريكي الحر والمستقل يجب ألا يُسلب حقه في سرقة شخص آخر". الكتب لم تكُن الأهداف الوحيدة للقرصنة، كان كُتّاب الاختزال يجلسون في مسارح لندن في القرن التاسع عشر، وينسخون نصوص المسرحيات التي كانت تظهر في برودواي في الأسبوع التالي. الجانب البارز الآخر لنشر المطبوعات المعادة ـ قبل أن توافق الولايات المتحدة أخيراً على حقوق الطبع والنشر للأجانب في عام 1891، بعد ضغط من مارك توين وغيره من المؤلفين الذين كان يتم قرصنة كتبهم بدورها في المملكة المتحدة ـ كان السعر. الكتب التي استولى عليها الناشرون الأمريكيون كانت تُباع بربع تكلفتها بالجنيه الاسترليني وكانت النسخ المطبوعة أربعة أضعاف ذلك الحجم – عدد النسخ التي بيعت من كتاب "تاريخ إنجلترا" للمؤلف ماكولي في الولايات المتحدة كان عشرة أضعاف النسخ التي تم بيعها في المملكة المتحدة. كما يتبين لنا من مثل هذه القصص، لا يوجد ما هو جديد في التوتر بين الأوصياء على حقوق المؤلفين والناشرين، وبين الضغط من الجمهور وشركات أخرى لجعلها متوافرة بحرية. تلك المعارك كانت تجري بطرق مماثلة لفترة أطول بكثير من فترة الـ 95 عاماً التي ضمنت فيها هوليوود استمرار حقوق الطبع والنشر لأفلامها ضمن قانون سوني بونو عام 1998، المعروف باسم مشروع قانون ميكي ماوس. حروب الكتب عبر المحيط الأطلسي في القرن التاسع عشر تعتبر إرهاصاً بالصراعات بين جوجل وشركات النشر الأوروبية - هذه المرة على جانب حماية حقوق الطبع والنشر - بشأن روابط البحث. النقاش بشأن السعر يقوم بتكرار الجدل الحالي بين شركة أمازون وشركات النشر الأمريكية - هذه المرة على جانب الأسعار الأعلى - بشأن الكتب الإلكترونية. الشيء الوحيد الذي تغيّر هو فريق القوى. بيتر بولدوين، أستاذ التاريخ في جامعة لوس أنجلوس، كاليفورنيا، ليس الأكاديمي الأمريكي الأول الذي يهتم بقضية حقوق الطبع والنشر على مدى القرون الثلاثة الماضية. فقد كتب كل من لورنس ليسيج ويوتشاي بينكلر، من كلية الحقوق في جامعة هارفارد، عن الموضوع بشكل مكثّف، وأسهم ليسيج في عدة دعاوى قضائية لدى المحكمة العُليا في الولايات المتحدة. بولدوين يختلف قليلاً مع المحكمة الأكاديمية الأمريكية التقليدية حول هذا الموضوع - المصالح المكتسبة للمؤلفين والفنانين تعدت بشكل كبير على المجال العام. ليس فقط أن فترات حقوق الطبع والنشر أطول بكثير مما كان مقصوداً في البداية - حدد توماس جيفرسون طول فترة حقوق الطبع والنشر بـ 19 عاماً - لكنها واسعة للغاية. في بعض الأحيان، يؤدي ازدراؤه "شكوى المؤلفين المستمرة" والفترات التي "يبدو أنها تقوم بهندسة جميع النجاحات في سباق نحو القمة" إلى استنتاجات غريبة. فهو يقول "مهما كان الحجم الذي لا يزال فيه بعضهم يهاجم حالة الفنانين الرومانسيين الذين يُساء فهمهم في عليّائهم، إلا أن المؤلفين أصبحوا أكثر قوة اقتصادياً واجتماعياً مما كانوا في السابق". كان هذا سيعتبر نبأ جديداً بالنسبة لكثيرين، في عصر تم فيه تسهيل القرصنة من قِبل الإنترنت والاستنساخ الرقمي وليس من قبل الناشرين في الولايات المتحدة. الصناعات الإبداعية كانت في معركة مستمرة لمدة عقدين من الزمن حول حقوق الطبع والنشر مع خدمات المشاركة بين الأجهزة مثل ميجا أبلود، وحول التسعير مع شركات التكنولوجيا مثل أمازون. قرب النهاية، يميل بولدوين إلى وجهة نظر ارستقراطية لأن المؤلفين أمثاله – من الأكاديميين الذين يعملون ويمارسون النشر باعتباره نشاطا مُساعدا - يكسبون عيشهم، فإن الجميع ينبغي أن يقتدى بهم. ويقول مطالبا "بما أننا نعيش في عصر جديد من الرعاية، بالتالي هل نحن بحاجة إلى حقوق الطبع والنشر على الإطلاق بعد الآن؟". وردي على ذلك هو، حاول التخلّي عن فترة الحيازة ومن ثم رُدّ علينا. بغض النظر عن مثل هذه الانفعالات الخطابية، يقدم بولدوين حجة متينة بأن حقوق الطبع والنشر، ولا سيما فيما يتعلق بطول فترة سريانها، قد تحوّلت عن أهدافها الأصلية. النهج التنويري الذي تفضله المملكة المتحدة والولايات المتحدة على وجه الخصوص، يحاول تحقيق التوازن بين حقوق الطبع والنشر - مكافأة الجهد الفكري بحقوق ملكية محدودة - وبين القواسم الفكرية الكبيرة التي في إمكان الفنانين والمبدعين الآخرين استخدامها. والتعامل مع حقوق الطبع والنشر يتعارض بشكل صارخ مع التعامل مع براءات الاختراع للأدوية، التي تقتصر الآن على 20 إلى 25 عاماً في الولايات المتحدة وأوروبا. بعد ذلك، يصبح في إمكان المنافسين إنتاج أدوية موازية من الصيغة نفسها. هذا الإطار يوفر حافزاً كافياً لشركات الأدوية للاستثمار في البحث. وليس من الواضح لماذا ينبغي لمؤلفي الروايات أن يكونوا مختلفين. القيمة الغالبة على كتاب "حروب حقوق الملكية" ليست آراء بولدوين، لكنها تاريخه الغني بحقوق الطبع والنشر وفلسفته الأساسية. فهو يعطينا، على وجه الخصوص، تحليلاً مذهلاً للتنافس بين مفهوم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لحقوق المُلكية وإيمان القارة الأوروبية بحقوق المؤلف الأدبية. ويُلاحظ بولدوين أن الأخيرة نشأت جزئياً من الثورة الفرنسية والمثالية الرومانسية لمبدعين تحرروا من كونهم مجرد موظفين تابعين لأصحاب عمل. الذي قام بالتمهيد لهذا الأمر هو إيزاك لي تشابيليه، الثوري الذي أعدّ قانون عام 1791 الذي يحمل اسمه، والذي يلغي المؤسسات بين الدولة والمواطن. وكتب أن حصيلة الكاتب كانت "هي الأكثر قداسة وشرعية، ولا نزاع فيها والأكثر شخصية من كل الملكيات الخاصة". ويضيف بولدوين: "غالباً ما يصرّ الأوروبيون على أن حقوق الطبع والنشر بدائية وقديمة مقارنة بنهجها المُكرر. ويُحذّر المعلقون الفرنسيون من أن الخطر يتمثل في جعل السلطة العُليا بيد الأنجلو ـ سكسون. بهذه الطريقة يحدث "التراجع البطيء لحقوق المؤلفين في حقوق الطبع والنشر المجردة، وصعود أوروبا التجارية المبنية على أنقاض أوروبا الإنسانية". لكن بولدوين، على الرغم من تصويره الحساس للمثالية الأوروبية، هو أمريكي حتى الجذور. مثاليته الخاصة هي أن يقوم المؤلفون بالعمل في جمعيات تعاونية، مثل الرسامين في القرون الوسطى، ويتم الدفع لهم من قِبل أصحاب عمل، والسماح بأن يتم تكييف وخلط وإعادة تصوير أعمالهم. ويختتم "أن شبكات التوزيع اليوم تعتبر ورقة رابحة لوسائل الإعلام السجينة أمس. وجهة نظرنا عن المؤلف (...) لم تكُن لتفاجئ عصر النهضة". بالنسبة للفنانين الذين يفضلون العمل في العليّاء بدلاً من الانصياع لعائلات ميديتشي الرقمية، يبدو أن نصيحته لهم هي عليكم تجاوز الأمر.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES