Author

هل يحل النظام الجديد للتمويل العقاري مشكلة السكن؟

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
لا شك أن مسألة الإسكان أصبح لها أولوية على المستوى الحكومي، بسبب الحاجة الماسة لكثير من المواطنين للاستقرار، والتخلص من التكلفة العالية والمستمرة في الارتفاع لتكلفة الإيجارات خصوصا لكثير من الأسر التي لديها أطفال، حيث يقتص الإيجار من الراتب نسبة تصل إلى 30 في المائة من الدخل الثابت لكثير من الأسر، وهذا عبء كبير، خصوصا أن المبلغ يقتطع ولا يعود للفرد بأي نوع من الملكية، ولذلك كان من الأهمية بمكان البحث عن وسائل للتمويل لتمكين الأفراد من تملك مسكن مناسب لهم ولأسرهم حتى لو استمر ذلك إلى مدة تصل إلى 20 أو 25 سنة، ولو اقتطعت مبلغا يصل إلى 50 في المائة من الدخل الثابت، باعتبار أن هذه الوسيلة الممكنة للفرد لتملك سكن، وهذا الاقتطاع يحقق للفرد إضافة من خلال أنه يحد من استمرار الارتفاعات عليه في تكلفة الإيجار، وأن المبلغ المقتطع يمكنه من تملك أصل لتحقيق احتياج ذي أولوية له ولأسرته. بعد صدور نظام الرهن العقاري أخيرا، الذي سيدخل حيز التنفيذ خلال تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، تحدث البعض عن أن هذا النظام قد يؤدي إلى إعاقة حل مشكلة السكن للمواطنين، باعتبار أن هذا النظام يشترط أن يوفر العميل مبلغا لا يقل عن 30 في المائة من قيمة العقار، في حين أن المؤسسة المالية تموله بالجزء الباقي وهو 70 في المائة، ومع الارتفاع الملاحظ في أسعار العقارات حاليا فإن توفير نسبة 30 في المائة أمر صعب جدا على كثير من الأفراد، حيث يتوقع البعض أن ذلك يحتاج إلى أن يوفر الفرد ما لا يقل عن 400 ألف ريال في حال رغبته في شراء عقار لا تتجاوز قيمته مليون و350 ألف ريال، كما يرى البعض أن هذا يتطلب أن يكون دخل المواطن يتجاوز 15 ألف ريال ليتمكن خلال 16 عاما من توفير المبلغ المطلوب، وهذا بلا شك مبلغ كبير، ويحتاج إلى وقت ودخل مناسب. ولكن بالوضع الحالي الذي يمارسه كثير من المصارف نجد أنها لا تشترط أن يوفر العميل هذه النسبة، بل بالإمكان تمويل الأفراد بتمويل يصل إلى 90 في المائة من قيمة العقار. لا شك أن هذا جزء من التحدي الذي يواجه تطبيق نظام الرهن العقاري في المملكة، فمع وجود قلق من أن تحدث في المملكة أزمة مشابهة للتي حدثت في كثير من دول العالم بسبب الرهن العقاري، أصبح النظام متحفظا جدا في مسألة التمويل، بحيث أنه يتطلب نسبة عالية يوفرها العميل، وذلك قد يكون بغرض التأكد من ملاءته أو بغرض تقليل المخاطر على المصارف بحيث لا تنكشف أكثر على قطاع التمويل العقاري، ومن ثم تحدث أزمة في حال وجدت حالات كثيرة للتعثر في السداد، باعتبار أن سداد التمويل العقاري يمتد لسنوات طويلة، وقد تحدث في أي ظرف تحولات لأسعار الوحدات السكنية تتأثر بعدها السوق العقارية بصورة أو أخرى، ولكن لا ننسى في ظل وجود هذا الشرط فقد لا يتمكن الكثير من الحصول على التمويل العقاري، وقد يؤدي ذلك أيضا إلى أن يفقد هذا النظام فائدته، ففي الوضع الحالي الذي نعيشه نجد أن البعض قد يواجه صعوبة في توفير 10 في المائة من قيمة العقار، وهذا ما انعكس على التكلفة المستمرة للإيجارات التي يتكبدها الفرد، وهذا قد يعيق كثيرا فئة الشباب من تملك العقار في وقت مبكر. وإذا ما استمرت وتيرة الارتفاع في الأسعار بصورة متصاعدة فستجد أن البعض سيلحق سرابا، فبعد عشرة أو 15 عاما قد يتطلب الأمر أن يوفر المواطن مبلغا لا يقل عن 500 ألف ريال أو أكثر، وحتى لو افترضنا أن الإجراءات الحكومية التي قد تفرض نظام الرسوم على الأراضي البيضاء سوف تؤثر في أسعار الأراضي وتقودها للانخفاض، فإن ذلك قطعا لن يؤثر في الارتفاعات المتواصلة التي نشهدها في تكلفة القوى العاملة ومواد البناء، خصوصا أن الإجراءات الحكومية بدأت تلزم المواطن بأمور جديدة لم تكن مطلوبة مثل العزل الحراري، إضافة إلى أن معايير وزارة التجارة لكثير من المواد أصبحت أكثر صرامة، وهذا قد يزيد في تكلفة البناء مستقبلا. الخلاصة أن النظام الجديد للرهن العقاري قد يحد بصورة واضحة فرص التمويل للأفراد باشتراطه أن يمتلك الفرد 30 في المائة من قيمة العقار، واستمرار تأخر فرص التملك للأفراد قد يؤدي إلى استمرار صعوبات الحصول على تمويل، خصوصا مع استمرار المنحنى العام لارتفاع الأسعار، والتكلفة العالية على الفرد بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات.
إنشرها