Author

الأندية الرياضية .. وأزمة الهوية

|
في كل مرة أشاهد أو أسمع عن التنافس الرياضي الكبير للأندية والحماس والحدة والتراشق الإعلامي والسعي الحثيث للحصول على بطولة الدوري، أو الظفر بكأس أو درع أي منافسة محلية أو قارية أتساءل لماذا هذا الحرص؟ وما المنفعة المتحققة؟ ومن المستفيد من ذلك؟ سواء على الصعيد الشخصي للمتطوعين من أعضاء الشرف؟ أو المصلحة المجتمعية؟ وما يزيد من الدهشة والاستغراب أن هناك ملايين الريالات من التبرعات والهبات وساعات طويلة من العمل الدؤوب تنفق (ولا أقول تستثمر) في الأندية الرياضية، ولا أحد يعلم ما الغاية من ذلك كله؟ ولماذا الحرص على الفوز؟ هل هناك أرباح مالية ستجنى؟ أم يا ترى هو فقط الانتماء العاطفي للكيان الرياضي كما يقولون؟! وهل يصح أن تنفق الملايين فقط من أجل الفوز ولا سواه؟! البعض في محاولة يائسة يحاول أن يجد تفسيرا منطقيا وسببا مقنعا، فيقدم إجابات هي أقرب للتخمين منها إلى معلومات تنطلق من إطار قانوني مؤسسي. منهم من يقول إنها للوجاهة وبناء سمعة إعلامية وتسجيل حضور ومكانة اجتماعية؟ وهناك من يرى أن هناك منفعة اقتصادية غير مباشرة تأتي بصورة دعاية وإعلان للنشاط التجاري لأعضاء شرف النادي. ولكن أليست الأندية مقرات حكومية؟ أنشئت من أجل خدمة المجتمع المحلي والمصلحة العامة بتعزيز مستوى الثقافة والوعي الرياضي وتوفير أنشطة ترويحية؟ وإذا كانت كذلك فكيف يصح استخدامها لتحقيق مصالح شخصية؟ وإدارتها بطريقة خاصة؟ ومهما يكن الأمر تبقى تلك الإجابات تخرصات ومخرجا لوضع غامض ومحاولة لفهم ما ليس بمنطقي، وهي بكل تأكيد ليست مبنية على مرجعية قانونية ولوائح تنظم عمل الأندية وتفصح عن هويتها القانونية. ومع هذه العشوائية الإدارية والفراغ المؤسسي للأندية الرياضية فلا أحد يعلم ما هويتها مؤسسيا! هل هي حكومية؟ خاصة؟ أم هي خيرية؟ هل هي احترافية أم للهواة؟ هل هي للتحقيق المصالح الخاصة أم المصلحة العامة؟ هل هي خاصة بلعبة كرة القدم أم تشمل جميع الألعاب؟ وبالتالي أصبح لدينا هجين مؤسسي لا يعلم له هوية محددة! وإلى حين يتم حسم ذلك بإصدار قانون ينظمها ويحدد هويتها المؤسسية ليس ورقيا وإنما واقعيا واحترافيا، لابد من القول وبكل صراحة إن فقدان تلك الأندية للهوية المؤسسية هو وراء تذبذب مستويات الأندية وتراجع مستوى الرياضة السعودية. والسبب أن غياب العمل المؤسسي الموثق يفقد الأندية الاستدامة في الأداء وبناء الخبرة والأهم تحديد الغاية من إنشائها، ومن ثم توحيد الجهود لبلوغ تلك الغاية والمصلحة الوطنية العليا. إن أي عمل لا يقوم على أساس مؤسسي فمصيره الفشل، بل هو فاشل منذ البداية! لأنه لا يمكن قياس الأداء دون مرجعية نظامية، ليكون العمل اجتهادات شخصية وتقييما عاطفيا مبنيا على مبدأ "شيء أفضل من لا شيء". فيأتي رئيس نادي ومن بعده آخر.. والجماهير لا تعلم لماذا ترك ذاك المنصب؟ ولما نُصب هذا؟! فاختيار الرئيس مبني على معيار من يدفع أكثر أو من يجلب تبرعات أكثر فهو أحق بالرئاسة وكأن الأندية الرياضية أصبحت في سوق النخاسة! ولما لا؟! فهو متطوع بوقته ومتبرع بحر ماله، ولكن يعود التساؤل مرة أخرى هل الأندية احترافية أم للهواة؟ هل هي حكومية؟ خاصة؟ أم هي خيرية؟ المسألة لا تتعلق بالتمويل ولكن بطرق الصرف، وماذا يراد تحقيقه؟! وعلى أن هذه الحالة من فقدان العمل المؤسسي أفرزت مشكلات مثل تفاقم الديون والالتزامات المالية على الأندية دون مساءلة ومحاسبة لرؤساء الأندية، ولكن هذه أعراض للمشكلة. المشكلة في واقع الأمر هي أكبر من ذلك بكثير هي عجز حكومي تشريعي في تنظيم عمل الأندية وتحديد هويتها؟ والغرض من إنشائها؟ وكيف يمكن ضمان استمراريتها وإدارتها بطريقة جيدة؟ وتحقيق استقلالها المالي؟ وتوليد دخل ذاتي؟ وتحقيق المنفعة المجتمعية؟ لكن يبدو أن هناك من يستمتع بالفراغ المؤسسي لأنه ليس هناك تحديد للمسؤولية ويمنحه الاسترخاء في منطقة الراحة، فبإمكان أي رئيس ناد أن يترك النادي متى شاء دون قيد أو شرط أو التزام ويتلاشى ويكون نسيا منسيا (مؤسسيا)! مشكلتنا ليست فقط في قطاع الرياضة، ولكن في جميع مجالات التنمية الوطنية. فنحن كمجتمع تطورنا ماديا وماليا بمعدل أعلى وأسرع من تطوير الأنظمة والثقافة الإدارية والقيم الحضارية. وربما كانت الطفرة الاقتصادية التي أسهمت في إنشاء البنى التحتية هي نفسها أثرت سلبا في قيم المجتمع وأوجدت ثقافة جديدة مبنية على المباهاة وتزيين الصورة الخارجية. وهذا ألقى بظلاله على إدارة الأندية الرياضية فتحولت من المنافسات الرياضية إلى المنافسة الشخصية، بحيث أصبح جلب لاعب أو مدرب عالمي مشهور من أجل التفاخر ليس إلا! تماما كما نفعل في مزاين الإبل، أو حينما نبالغ بكرم الضيافة فنقدم مآدب أقل ما يقال عنها إنها إسراف وبذخ، وقس على ذلك تصرفات الكثيرين غير الرشيدة في كثير من مناحي الحياة! إن المتغيرات التي تعصف بالمجتمع تستلزم إعادة النظر في كثير من الخدمات والمشاريع والأنظمة والسياسات الحكومية لتكون أكثر استجابة لمتطلبات المجتمع وتسهم في إدارة الموارد بطريقة جيدة وفاعلية. المسألة لا تتعلق بالفوز أو الهزيمة، ولكن بمستوى رشدانية صنع القرار العام والنظم التي نبني عليها مؤسساتنا العامة لتكون جسرا نعبر من فوقه لمستقبل أفضل لنا وللأجيال القادمة. يجب أن نعلم أن قوة الدولة بقوة مؤسساتها وقدرتها على صناعة القرارات الصحيحة والمطلوبة اجتماعيا. لقد أصبح من الضروري مع النضج الذي بلغه مجتمعنا واقتصادنا.. تحويل الأندية إلى شركات مساهمة، بحيث تحقق أهدافا اجتماعية واقتصادية ويكون هناك ربط بين المدخلات والمخرجات واستفادة من الموارد المالية في التنمية المحلية. وهذا ليس بدعا وإنما جميع الأندية العالمية تدار كشركات تجني أرباحا للأفراد كمساهمين وتجلب أموالا واستثمارات للاقتصاديات المحلية. لقد حان الوقت أن نسأل من المستفيد من الوضع القائم؟ وهل بالإمكان توسيع دائرة الاستفادة؟ وتحقيق أكثر من هدف للأندية الرياضية (اجتماعي واقتصادي وترفيهي)؟ وما الأسلوب الأمثل لإدارتها؟ وهل يمكن الاستفادة من تجربة "سابك" في الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص وتطبيقها في تطوير عمل الأندية؟ علينا أن نحزم أمرنا في تحديد هوية الأندية مؤسسيا بدلا من حال التخبط وإدارة الفزعة والشللية والنظرة الضيقة والأهداف الشخصية أو العاطفية. إنه عيب إداري لا يمكن قبوله لأنه يؤثر سلبا في سمعتنا كدولة وكمجتمع ويعطي صورة سيئة عن ضعفنا في إدارة الموارد وتحريكها في الاتجاه الصحيح وعبر إطار مؤسسي واضح المعالم يحدد ماذا نريد عمله؟ ولماذا؟ وكيف؟ وأين؟ ومتى؟ ومن المسؤول؟ وما المنفعة المرجوة؟ عندها فقط نستطيع وبوعي تام أن نجيب على التساؤلات المطروحة في أول المقال ويكون الجميع على بينة من الأمر.
إنشرها