Author

نمو خليجي ومحاذير أيضا

|
على الرغم من أن النمو في دول مجلس التعاون الخليجي العام المقبل، يتوقع أن يكون مرتفعا مقارنة بعشرات الدول الأخرى، ولا سيما الغربية منها، وعلى الرغم من أن هذا النمو يقدر بنحو 4.5 في المائة ارتفاعا من 4.4 في المائة العام الجاري، وعلى الرغم من التوقعات على مستوى صندوق النقد الدولي التي تحدثت أيضا عن استقرار معدلات التضخم في دول المجلس العام المقبل.. على الرغم من كل هذه المؤشرات الإيجابية، والوقائع المساعدة على الأرض، على دول الخليج بذل مزيد من الجهود، من أجل الوصول باقتصادها إلى المستوى المطلوب، الذي يوفر المناعة المستدامة ضد أي أزمة، إقليمية كانت أو عالمية. خصوصا أن هذا العالم لا تنقصه الأزمات لأسباب عديدة، في مقدمتها الفوضى التي تركتها الأزمة الاقتصادية العالمية منذ ست سنوات. لقد حققت اقتصادات دول مجلس التعاون نموا مناسبا وواقعيا في السنوات القليلة الماضية، فانتقل على سبيل المثال من 4.1 في العام الماضي، إلى 4.4 في العام الجاري، وفي الوقت الذي رفعت فيه مؤسسة كصندوق النقد الدولي توقعاتها للنمو الخليجي العام المقبل، خفضت معدلات النمو المتوقعة في دول كبرى كالصين. وهذا يعني أن اقتصادات دول الخليج، قابلة للنمو حتى في ظل بعض المصاعب الظاهرة على الساحة الإقليمية، ولا سيما تلك المرتبطة بالنفط وتوجهات سوق الخام العالمية. إنها مرحلة، يبدو أنه لا بد للمنطقة من المرور بها، بصرف النظر عن الأسباب والدوافع والحقائق، وحتى الاستحقاقات. فالنمو (وإن كان بنسبة قليلة) في ظل تراجع كبير لأسعار النفط، يمثل مؤشرا إيجابيا. هناك دول عديدة تعتمد على النفط، مهددة بالغرق الاقتصادي، فيما لو استمر انخفاض أسعار النفط مدة أطول من ذلك. على كل حال، النمو الطفيف أو الكبير بالنسبة لاقتصادات دول مجلس التعاون، لا يعفي هذه البلدان من مهمة شاقة وصعبة ومهمة على صعيد الوضع الاقتصادي الأكثر استدامة. وفي مقدمة هذه الإصلاحات التي طرحها حديثاً صندوق النقد الدولي، تلك المرتبطة بسوق العمل. فالصندوق يرى تشوهات واضحة جدا في هذه السوق، ولأن التعليم مرتبط به بصورة مباشرة، فإن دول "التعاون" مطالبة أيضاً بضرورة تحديث الأطر التعليمية أكثر. والحق أن المنطقة تعاني هذه المشكلة منذ سنوات طويلة، ولم تتوصل إلى حلول ناجعة لها، على الرغم من الاستثمارات المتصاعدة في التعليم. ولا يمكن أن يكون للقطاع الخاص دور أساسي في مجال التوظيف، إلا بتوافق مخرجات التعليم مع طلب سوق العمل. إنها معادلة قديمة، لكنها لا تزال بلا حل عملي. واللافت أيضاً فيما توصل إليه صندوق النقد الدولي، أن الإصلاحات ينبغي أن تشمل الإنتاج في مجالي السلع والخدمات. بمعنى، أن يكون الإنتاج الكفء بدلا من الأنشطة في القطاعات غير التجارية. إن النمو في دول مجلس التعاون، يكاد يكون مضمونا تماما، وسيكون أقوى وأكثر استدامة وتوازنا، إذا ما أدخلت الإصلاحات المطلوبة، خصوصا أن نتائجها لا تظهر عادة بمجرد اتخاذها. إنها متصلة بالإنجازات المرحلية الخاصة بهذا، وبالأهداف التي يتم تحقيقها في المساحة الزمنية المطلوبة. تستطيع دول الخليج أن تشعر بالراحة (أو بعض منها) في ظل أزمة أسعار النفط الخام العالمية، مقارنة بغيرها من الدول النفطية الأخرى، لكنها لن تتمكن من الاستمرار بهذا الشعور إلى الأبد. فحتى أفضل التقديرات تتحدث عن زوال آثار الفوائض المالية الخليجية في حدود ثلاثة أعوام. وكلما أدخلت الاقتصادات الخليجية في دائرة التطوير المستحق، والإصلاحات الحتمية الاستراتيجية، استطاعت أن تعبر الأزمات بأقل الأضرار الممكنة.
إنشرها