Author

حفل طلاق

|
لعل أغرب ما نعيشه اليوم هو التقليعات التي تستمر في الظهور. فما إن تنتهي تقليعة حتى تظهر أخرى أشد منها وطأة، خصوصا ما يتعلق بتحجيم دور الرجل في القرار الاجتماعي والأسري، وإنهاء سيطرته على الأمور. عاش الرجال في الماضي حياة الملوك، فهم الأقل مساهمة في الإنتاج والأكثر استفادة من النتائج. يبدأ يوم عمل المرأة قبل صلاة الفجر، تنظف البيت وتعد الإفطار بينما يصحو الرجل ويتوجه إلى المسجد ليقضي فرضه، ويقابل أقرانه. يعود ليجد النار قد أشعلت و"المعاميل" قد جهزت والقهوة بجوار "القدوع" ليبدأ مسيرة إذلال المرأة. قهوتك لم تركد، لماذا لم تغسلي الفناجيل، أحضري الخبز والشاهي وعجلي، رغم أن كل شيء أمامه، لكنه لا بد أن يستنكر شيئا ليبقى "سي السيد" كما يسميه أشقاؤنا في مصر. ينطلق الرجل للحقل أو حيث عمله، لتنتقل المرأة للتنظيف والاحتطاب والرعي، ثم يأتي وقت الغداء فتعود لمطبخها لتعد للرجل ما يريد وتحمله على رأسها إن لم يحضر لتناوله في المنزل. يتوجه الحاكم بأمره ليأخذ قسطه من القيلولة، بينما تنظف المرأة ما أفسده من الصحون، وتخرج أغنامها، و"تحوق درجانها"، قبل أن يصحو الزوج الذي يتوجه إلى الصلاة ومن ثم إلى حقله إن أراد، أو يجلس مع شلته في "مشراق" أو "دكة". تغيب الشمس فيعود صاحبنا ليجد عشاءه بانتظاره، يتعشى ويصلي وينام، بينما تكمل هي مشوار إدخال أغنامه، وتغذيتها، وحلبها إعدادا ليوم قادم. فكيف تحول بنا الحال إلى كادحين نصحو مع الفجر لنوصل الأطفال للمدارس، ثم نعود لنلبس ملابسنا ونتوجه لعمل كئيب لا تكاد ساعاته تنتصف حتى يعود الرجل لإيصال أبنائه وبناته للمنزل. إذ يصلون والخادمة في استقبالهم، و«المدام» لا تزال مستلقية في غرفتها. يعود الرجل ليكدح مرة أخرى، يعود بعد الدوام ليجد الخادمة قد أعدت غداءه أو يحضره معه إن لم تكن لديه خادمة تعرف الطهي. ينطلق بعدها لشراء مقاضي البيت، ثم إلى المدرس الخصوصي الذي يدفع له الشيء الفلاني ليدرس أبناءه، يعود بعد العشاء ليجد المطالبات والصراخ بانتظاره، يتحمل سنوات ثم يهرب بجلده، فتقيم «المدام» حفلا بمناسبة طلاقها.
إنشرها