Author

برامج تحفيز كفاءة الطاقة وتقلبات أسعار النفط

|
المقال السابق أشار إلى بعض التحديات النوعية التي تواجه البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة ومبررات وجود حوافز تتناسب واحتياجات المستهلكين إذا ما أردنا رفع نسب الاستجابة لمبادرات "كفاءة" وتحقيق نتائج ملموسة. وأن تحسين كفاءة الطاقة مرتبط بترشيد السلوك الاستهلاكي للمستخدم إلى جانب رفع الحد الأدنى لمواصفات المباني والأجهزة الكهربائية ووسائل النقل. ولأن النزعة الاستهلاكية للمجتمع وصلت بمستويات الهدر الاقتصادي للطاقة لمراحل قياسية قد تأكل الأخضر واليابس إذا لم نتداركها، كانت المطالبة بتوفير دعم استثنائي وموارد مكملة لحملات "كفاءة" التوعوية والمكثفة. خاصة وأن مسألة إصلاح هيكلة تعرفة الطاقة بحيث يكون المستخدم أكثر حرصا على استهلاكه لا بد وأن تتزامن مع إصلاحات شاملة للهيكل الاقتصادي والاجتماعي كما سنرى في المقالات القادمة. وما زاد الأمر سوءا أن 80 في المائة من الأجهزة الكهربائية الموجودة في المملكة هي مخالفة للمواصفات والمقاييس المعتمدة التي ما زالت تعد من الأدنى عالميا. هذا إلى جانب أن 70 في المائة من المباني هي غير معزولة حراريا ما يعني وجود هدر كبير في الطاقة المستهلكة. والجدير بالذكر أن أحد تبريرات تخفيض التعرفة عندما اتخذ القرار في السابق، هو مساعدة المستهلك على أن يقتني أجهزة ذات كفاءة أعلى من خلال دعم قوته الشرائية. إلا أن ضعف الرقابة على منافذ السوق ساهم في دخول أجهزة ومعدات رديئة وبالتالي من المهم أن نبتكر حلولا لاستبدالها بأجهزة ذات مواصفات مقبولة. إلا أن المطالبة بتخصيص برامج تحفيز مكملة لحملات "كفاءة" التوعوية، والتي تستلزم تخصيص موارد مالية تتناسب ووضعنا جاءت بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط لمستويات لم تكن في الحسبان. فكان السؤال، ما آثار تقلبات أسعار النفط على سير برامج كفاءة الطاقة حول العالم؟ وهل سيؤثر سلبا أم إيجابا على برنامجنا الوطني لكفاءة الطاقة؟ وهل ستعلو الأصوات المشككة في القيمة الاقتصادية المضافة لهذا البرنامج؟ تساؤلات مهمة قبل الخوض في أهمية برامج تحفيز مبادرات كفاءة الطاقة والممارسات العالمية ودورها المفصلي للوصول إلى أهدافها. فحجم الحوافز – خاصة المالية منها – يرتبط بقيمتها الاقتصادية المضافة لأهداف تلك البرامج وإلا أصبحت غير مبررة. المعروف في السابق أن الدافع الرئيس لبرامج كفاءة الطاقة، في بداياتها على الأقل أثناء سبعينيات القرن الماضي، كان مرتبطا برفع مستويات أمن الطاقة للدول المستوردة للنفط والتخفيف من الاعتماد على موارد الغير قدر المستطاع. وبالتالي كانت مستويات إنفاق تلك الدول على برامج كفاءة الطاقة – خاصة في مجال البحوث والتطوير – مرتبطة إلى حد كبير بتقلبات أسعار النفط المستورد. فكلما ارتفعت أسعار النفط زادت مخصصات مبادرات كفاءة الطاقة، والعكس صحيح. ومن الجهة الأخرى، لم تلتفت الدول المصدرة للنفط إلى أهمية مبادرات كفاءة الطاقة إلا في العهد القريب عندما بدأت تظهر بوادر القلق من تصاعد مستويات استهلاكها للطاقة حتى أصبحت تزاحم قدراتها التصديرية. إلا أنه لم يظهر بعد بشكل واضح أثر التقلبات السعرية للنفط على سياسات تلك الدول نحو برامج كفاءة الطاقة. السؤال الذي يطرح نفسه الآن وبالتزامن مع انخفاض أسعار النفط وآثاره المتوقعة على مستوى الإنفاق الحكومي الذي أصبح حديث الساعة - هل سيتأثر مستوى الاهتمام بالبرنامج الوطني لكفاءة الطاقة؟ الذي أثار هذا السؤال المهم هو تساؤل الكثير من الكتاب عن مصير برامج التنمية المختلفة، خاصة وأن أسعار برميل النفط تتأرجح حول سعر التعادل لتغطية موازنة الحكومة الذي ارتفع كثيرا مؤخرا لأسباب ديموغرافية. وكانوا دائما ما يشيرون إلى سياسة التقشف المؤلمة في الثمانينيات والتسعينيات وآثارها على رفاه المجتمع. كما صرح صندوق النقد الدولي أخيرا بضرورة خفض مستويات الإنفاق في دول الخليج والبدء في إجراءات رفع الدعم عن الطاقة لتفادي عجز محتمل في موازناتها إذا ما استقرت أسعار النفط عند مستوياتها الحالية. وبالفعل صرح محافظ البنك المركزي في عمان بأن بلاده تستكشف بحذر خيارات تخفيض الدعم عن الطاقة لمواجهة عجز محتمل وإلا ستضطر إما للسحب من صندوقها السيادي أو اللجوء للاقتراض. فإذا ما رأى أصحاب الحل والربط في بلادنا بضرورة التقشف، فالمرجو ألا يكون ذلك على حساب أي مشروع أو برنامج يسهم بشكل واضح في إصلاح الهيكل الاقتصادي والاجتماعي للبلاد التي تعاني من تشوهات عميقة. فنتائج البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة حتى الآن هي مشجعة جدا ولا بد من التعامل مع مبادرات "كفاءة" على أنها الخيار الأمثل والأكثر مصداقية لعكس الآثار السلبية لسياسة دعم الطاقة المكلفة. بل سنرى في المقالات التي ستتناول موضوع إصلاح الدعم للطاقة مدى أهمية الدور الذي ممكن أن تتخذه "كفاءة" لإصلاح الدعم نفسه وإنقاذ المجتمع من مساوئه.
إنشرها