Author

آثار تراجع أسعار النفط العالمية

|
بدأ تراجع أسعار النفط الحالي في شهر حزيران (يونيو) 2014م، حيث انخفض سعر خام مزيج برنت بنحو 30 دولارا للبرمل من آخر قمة بلغها في 20/6/2014. وكانت أسعار مزيج خام برنت قد قاربت 115 دولارا للبرميل في ذلك اليوم وانخفضت بعد أربعة أشهر إلى منتصف الثمانينيات. ونظرا لأهمية النفط في الاقتصادات العالمية فإن تغير أسعاره يؤثر بشكل ملحوظ في الاقتصاد العالمي. وتتعدد آثار التراجع الأخير في أسعار النفط في الاقتصاد العالمي، وفيما يلي بعض أبرزها: -1 يرى كثير من المختصين أن تراجع أسعار النفط ومنتجاته (لفترة معقولة) سيقود إلى رفع معدلات النمو العالمي، حيث سيستفيد المستهلكون سواءً كانوا أسراً أو شركات من تراجع أسعار النفط وينفقون على سلع وخدمات أخرى، ما سيزيد الطلب على باقي السلع والخدمات ويرفع معدلات النمو العالمية. وقد يضغط تراجع أسعار النفط على أسعار أنواع الطاقة الأخرى مما يسهم في تعزيز معدلات النمو. ومن المتوقع أن يقود تراجع أسعار النفط بنحو 20 دولارا للبرميل إلى زيادات معدلات نمو الاقتصاد العالمي بنحو نصف نقطة مئوية. وسيقلل من زيادة معدلات النمو العالمي تأثير تراجع أسعار النفط في منتجي الطاقة وتراجع دخولهم واستثماراتهم وتوظيفهم، وإن كان من المتوقع أن يكون أقل من تأثيرات نمو الناتج العالمي. -2 سيزداد بشكل آني الناتج المحلي بالأسعار الجارية للدول المستوردة للنفط وبمقدار توفيرها نفسه من قيمة الواردات، بينما سيتراجع الناتج المحلي بالأسعار الجارية للدول المصدرة للنفط. وستتأثر الدول بدرجات مختلفة، فالصين ستكون أكبر المستفيدين من تراجع أسعار النفط، بينما سيكون التأثير طويل الأمد مختلطاً في الولايات المتحدة بسبب مخاطر تراجع الاستثمار في النفط الصخري الذي أضاف نحو مليوني وظيفة خلال الأعوام الأربعة الماضية. -3 سيقود تراجع أسعار النفط وبصورة آنية إلى تراجع حجم التجارة الدولية بالقيمة نفسها. ويعتبر النفط ومنتجاته من أهم السلع المتبادلة على المستوى العالمي حيث تزيد الكميات المتبادلة دوليا على 50 مليون برميل يوميا، ما يعني أن حجم التجارة الدولية سينخفض بنحو مليار دولار في اليوم وذلك على افتراض تراجع متوسط أسعاره بنحو 20 دولارا للبرميل. وسيؤدي تراجع أسعار النفط إلى تحسن الموازين الخارجية للدول المستوردة بينما ستتضرر الموازين التجارية والجارية للدول المصدرة. وستكون الصين والولايات المتحدة أكبر المستفيدين من تحسن هذه الموازين حيث سيزداد الفائض التجاري والجاري لأكبر مستورد للنفط في العالم وهي الصين، كما سيتراجع العجز التجاري والجاري في الولايات المتحدة، بينما ستكون المملكة وروسيا أكبر المتضررين. -4 ستتراجع أسعار منتجات النفط نتيجة لتراجع أسعار النفط الخام، ما سيخفض من تكاليف المعيشة في الدول المحررة لأسعار النفط. وهذا سيسهم في خفض معدلات التضخم في معظم دول العالم ولو بشكل محدود. ومع أن معظم دول العالم ستستفيد من هذه الظاهرة إلا أن بعض الدول التي تعاني مخاطر انكماش الأسعار وأهمها المجموعة الأوروبية واليابان ستضطران إلى اتخاذ إجراءات إضافية للحد من آثار تراجع أسعار النفط في الأسعار. -5 ستنخفض فاتورة دعم منتجات النفط في الدول التي تدعم أسعار منتجات النفط، مما سيوفر دعومات مالية لميزانيات الدول المستوردة للنفط والداعمة لأسعاره أو أسعار بعض منتجاته. وستنخفض إيرادات الدول المصدرة للنفط وبالقيم المفقودة نفسها الناتجة عن تراجع أسعار النفط. وستنخفض إيرادات حكومات الدول المستوردة للنفط من ضرائب الوقود النسبية ولكن ستسعى هذه الدول إلى تعويض الفاقد عن طريق رفع نسب الضرائب على النفط والوقود المستورد. -6 سترتفع إنتاجية القطاعات المستخدمة للنفط بسبب تراجع تكاليفه، حيث ستنخفض تكاليف إنتاج تلك السلع والخدمات، ما سيساعد على خفض أسعارها أو رفع الأجور والأرباح في تلك السلع والخدمات أو بكل هذه الأمور مجتمعة. وسيستفيد القطاع الزراعي مثلاً من تراجع أسعار الوقود والمبيدات والأسمدة الذي سينتج عن تراجع أسعار النفط، ما سيدعم الإنتاج الزراعي ويزيد المعروض من السلع الزراعية وتراجع أسعار عدد من المواد الغذائية والأعلاف. وفي المقابل سيقود تراجع أسعار النفط إلى خفض ربحية الوقود الحيوي مما سيخفض الاستثمار في إنتاجه ويوفر المزيد من الأغذية الداخلة في تصنيعه للاستهلاك الحيواني والإنساني. -7 ستتأثر صناعات الطاقة المتجددة والبديلة بشكل سلبي مما سيؤثر في جهود المحافظة على البيئة ويعرقل مسيرة خفض انبعاثات الغازات الدفيئة. وستسعى جماعات المحافظة على البيئة إلى رفع دعم إنتاج الطاقة المتجددة، ما سيرفع من الأعباء المالية على الموازين المالية لكثير من دول العالم. إن آثار تراجع أسعار النفط كثيرة ومتشعبة ومتداخلة على البيئة والحياة البشرية ومن الصعب حصرها في مقالة مختصرة. وستتوقف شدة آثار التراجع وحجمها على الدول ومدى انخفاض الأسعار وطول مكوثها. وتشير التجارب التاريخية إلى انخفاض الثقة باستشراف أسعار النفط خصوصا طويلة الأجل وميل الأسعار إلى التقلبات الحادة في بعض الأحيان. وترفع التقلبات الحادة والقوية في أسعار النفط، خصوصا طويلة الأجل من مخاطر تبني وتغيير السياسات ذات الصلة بالطاقة.
إنشرها