Author

ثراء العالم بين يديه

|
مهما كان مستوى الخسائر التي قد تصيب بعض الأطراف في حال تم التوقيع على اتفاق عالمي شامل للتجارة، فإن العوائد ستكون كبيرة جدا على الجميع، ولا سيما على الذين يحتاجون إليها فعلا. مفاوضات التجارة التي تراوح مكانها منذ سنوات، أبقت الأوضاع على ما هي عليه، في وقت ترتفع فيه حدة "الأنانية" الاقتصادية، التي أوجدت بصور مختلفة عوائق شتى، باعدت إمكانية الوصول إلى نقطة مشتركة (بصرف النظر عن قوتها) بين الأطراف المعنية بهذا الأمر. والأطراف هنا، هي في الواقع كل العالم، بلا استثناء، وهي تدفع الآن تكاليف عدم الاتفاق، بشكل مباشر أو غير مباشر. فالإفراط في الحماية خصوصا من جانب الدول الغربية، يزيد من زخم مسؤوليتها العالمية، وهذه الدول (رغم كل المصائب الاقتصادية)، تبقى المصدر الأول لصناعة القرار الاقتصادي الدولي. الدراسة الأخيرة التي أصدرها معهد "كوبنهاجن كونسينسوس"، تعيد مسألة اتفاق تجارة عالمي شامل إلى الواجهة، فـ "دورة الدوحة" التي انطلقت عام 2001، لا تزال تدور دون ناتج، وأصبحت تمثل حالة من الإحباط الدائم، بل أضحت مثالا لكل من يرغب في الاستشهاد بتجربة لم تنضج، وبحراك لا يتحرك، وبآمال لا تتحقق. انكبت الأطراف على مدى السنوات الماضية على البحث عن حل، لكن حلا لم يظهر، ولا يبدو أنه سيظهر في المستقبل القريب. لماذا؟ لأن الأطراف المعنية لا تريد أن تكون مرنة، ولا ترغب بأي شكل من الأشكال في أن تتحمل فاتورة الإنجاز حتى ولو في مدة محددة لها نهاية. وهي تعرف، أن اتفاقا كهذا لا يمكن أن يتحقق دون تنازلات، ودون قبول لاستحقاقات المستقبل. ولعل من أهم ما ورد في الدراسة المذكورة، أن ثروة العالم المختلف مع بعضه البعض الآن بشأن التجارة، ستزيد 11 تريليون دولار، وأن 160 مليون نسمة سيخرجون تلقائيا من دائرة الفقر بحلول عام 2030. وهذا بحد ذاته، يلبي مطالب الأمم المتحدة الخاصة بالتنمية وبمحاربة الفقر، والوصول إلى أفضل مستوى ممكن للمعيشة في مناطق هائلة المساحة والسكان. ويعني هذا أيضا، أن التنمية المطلوبة في البلدان النامية ستشهد اندفاعة قوية، ما يخفف الأعباء المالية حتى على الدول المانحة، وعلى رأسها البلدان الغربية، "المحاربة" الصلبة ضد أي اتفاق شامل للتجارة، سينال حتما من بعض القطاعات فيها، ولا سيما الزراعة. فالمشكلة هي هي، لم تتغير. الدول المتقدمة، ترفض بشدة خفض الدعم عن مزارعيها، وترفض الدول النامية خفض التعريفة المفروضة على المنتجات الصناعية. يرى واضعو الدراسة، أن النتائج التي توصلوا إليها تمثل حجة قوية لأولئك الباحثين عن بعث جديد لمفاوضات التجارة، أو بالأحرى الذين يرغبون في مفاوضات مليئة لا مفرغة. فمخرجات الاتفاق مغرية، ولو نظرت الدول الغربية إليها من ناحية استراتيجية، فإنها تمثل ربحا لا خسارة، وإن تكبدت بعض الخسائر في المراحل الأولى لتنفيذ أي اتفاق بهذا الشأن. فالكل يعلم، أن الاتفاقات لا بد أن تتضمن تنازلات، والتنازلات قد تنتج خسائر آنية، لكنها على المدى البعيد لن تكون كذلك بأي حال من الأحوال. ففي حين أن بعض الدول ستجني عن كل دولار تنفقه ألفي دولار، فإن البعض الآخر سيجني أكثر من ذلك. ولذلك، تؤكد الدراسة، أن تطبيق الاتفاق لن يكون مجانيا. إن العالم بحاجة ماسة الآن إلى اتفاقات اقتصادية بمخرجات عمومية. واتفاق التجارة الشامل، يمثل حجر الزاوية في هذا السياق. وإذا لم توقف حكومات الدول الباحثة عن عناصر الحماية الذاتية بحثها الضيق، فإن العالم لن يشهد التوقيع عن مثل هذا الاتفاق، الذي سيشكل تحولا تاريخيا عالميا كبيرا، فيما لو تم التوصل إليه.
إنشرها