Author

دلالات تحسن أرباح المصارف

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
شهدت الفترة الماضية إعلانات متتابعة للشركات المساهمة في السوق السعودي، وتفاوتت أرباح الشركات في تزامن مع التقلبات الكبيرة لأسعار الأسهم التي اختلفت آراء المتابعين حول أسبابها بين من يرى أن ذلك بسبب تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، والبعض الآخر ينظر إلى أن السوق السعودي لحق بالتقلبات التي تشهدها أسواق الأسهم العالمية، في حين أن البعض الآخر جعل نظرته قاصرة، حيث جعل الطرح الكبير الذي يشهده السوق بطرح أسهم البنك الأهلي للاكتتاب سببا لهذه التقلبات في السوق، باعتبار أن بعض المستثمرين يبيع أسهمه للاكتتاب في أسهم البنك، الذي قد يجمع مبلغا يفوق 20 مليار ريال، خصوصا إذا ما تمت تغطية الاكتتاب بأكثر من النسبة المطروحة، ولا شك أن تقلبات أسعار النفط تنعكس بصورة واضحة على الاقتصاد، لكن التقلبات الحالية ما زالت تعد تقلبات لفترة قصيرة ولا يمكن القطع بأن هذه الأسعار ستستمر أو تنخفض. من خلال نتائج المصارف يمكن أن نلاحظ أن أغلب المصارف حقق تحسنا في الأرباح خلال كامل الأشهر التسعة لهذا العام مقارنة بالعام السابق، ولم يحصل انخفاض إلا لمصرفين فقط من إجمالي عدد المصارف البالغ 11 مصرفا في سوق الأسهم، وبلغ إجمالي ربح الأشهر التسعة لكامل القطاع في السوق السعودي ما يقارب 25 مليار ريال لهذا العام مقارنة بالعام الماضي، الذي بلغ فيه إجمالي الربح للأشهر التسعة ما يزيد قليلا على 23 مليار ريال، وهذا يمثل زيادة في الأرباح تزيد على 7 في المائة لهذا العام مقارنة بالعام الماضي، وهي زيادة جيدة نسبيا لكامل القطاع، وقد تفاوتت لدى المصارف نسبتا الارتفاع والانخفاض، حيث سجل بنك الإنماء أعلى نسبة للارتفاع في الأرباح في هذا العام مقارنة بالعام الماضي بلغت أكثر من 28 في المائة، في حين سجل بنك الجزيرة أعلى نسبة للانخفاض بلغت أكثر من 25 في المائة، وتفاوتت أرباح بقية المصارف، وغلب عليها التحسن إجمالا في الأرباح. هذا التحسن في الأرباح للمصارف هو انعكاس بصورة أو أخرى للتحسن العام في الاقتصاد، إذ إن هذا التحسن في الأرباح يدل على زيادة الطلب على التمويل وعلى منتجات المصارف، مما يدل على أن هناك حراكا نشطا للاقتصاد سواء في قطاع الإنتاج أو الاستهلاك، وسواء كان ذلك فيما يتعلق بتمويل قطاع الشركات أو قطاع الأفراد، فالمؤشرات تدل على زيادة في نشاط المصارف عموما، علما بأن إصدار مجموعة من الأنظمة التي تنظم بعض قطاعات التمويل خصوصا الرهن العقاري أو التمويل العقاري، مكن مؤسسات وشركات من غير المصارف من الدخول في منافسة معها في التمويل، إلا أن هذا لم يؤثر في النشاط الإجمالي للمصارف، باعتبار أن الطلب على خدمات المصارف ومنها التمويل يزداد، ما مكنها من استيعاب وجود منافسين لها في السوق، كما أن التحسن العام للاقتصاد في الفترة الماضية عزز من استقرار واستمرار الزيادة في أرباحها. النمو في أرباح المصارف لا يعطي مؤشراً لقطاع واحد فقط في الاقتصاد، بل هو مؤشر للحالة العامة للاقتصاد، إذ إن الزيادة في الطلب على التمويل تدل على النشاط العام في السوق سواء كان ذلك في القطاع الإنتاجي أو الاستهلاكي، إذ إن الطلب على التمويل يتقلص في حال الركود، في حين أنه ينشط في حالة انتعاش الاقتصاد، ومن هنا يبرز أثر النشاط العام للمصارف في إعطاء مؤشرات للاقتصاد، لا شك أن الاقتصاد المحلي يواجه مجموعة من التحديات داخليا وخارجيا؛ تتمثل في احتمال استمرار النفط بالأسعار المنخفضة، والارتفاع الذي حصل للدولار مقارنة بالعملات والسلع، إضافة إلى احتمال رفع سعر الفائدة الأمريكية، الذي قد يؤدي إلى أن يكون سعر النفط يميل إلى الاستقرار منخفضا، باعتبار أن رفع سعر الفائدة قد يدعم استمرار ارتفاع سعر الدولار في مقابل العملات الأخرى والسلع ومنها النفط، أما فيما يتعلق بالتحديات محليا فما زالت البطالة رغم انخفاض نسبتها تمثل همّا حكوميا، وقد تتأثر بعض الشركات خصوصا الصغيرة سلبا بسبب مجموعة الإجراءات التي اتخذتها وزارة العمل، التي قد تؤدي إلى عدم استمرار بعض الشركات الصغيرة أو تقلص نشاطها. كما أن البعض يتحدث اليوم عن احتمال أن تشهد الميزانية العامة عجزا في العام المقبل بسبب الانخفاض في أسعار النفط، وقد يكون من الأسباب التوسع الحكومي في المشاريع التي تتطلب إنفاقا عاليا لفترة قد تدوم لعدة سنوات، لكن لا ننسى أن الميزانية العامة خلال الأعوام الماضية حققت فوائض جيدة، كما أن المشاريع التنموية يتوقع أن يكون لها أثر في تحسن الاقتصاد، إذ إنها تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة للاقتصاد في المملكة. فالخلاصة أن التحسن العام في أرباح المصارف يعطي نوعا ما دلالات على استمرار النشاط الإيجابي بصورة عامة للاقتصاد، خصوصا أن عامة المصارف حققت نموا مطردا خلال الفترة الماضية، ومع ذلك فإنه يوجد تحديات تواجه الاقتصاد، فالتقلبات في الأسواق العالمية بما فيها أسواق النفط لا شك أنها تؤثر في الاقتصاد، ولكن هذا لا يعني أننا في بداية مرحلة ركود للاقتصاد، فالتقلبات الحالية لا تدل بصورة قطعية على الاتجاه العام لأسعار النفط مستقبلا.
إنشرها