Author

جائزة الأمير مقرن للمسؤولية الاجتماعية

|
عندما تستولي فكرة المسؤولية الاجتماعية على اهتمامات قيادي رفيع المستوى مثل الأمير مقرن بن عبد العزيز، فهذا يعكس حساسية وحرص القائمين على أمر هذه البلاد في كل ما من شأنه تحقيق التنمية والرفاهية والعيش الكريم للمواطن والنظر برؤية شاملة وعادلة وجديدة في إدارة الاقتصاد الوطني. وهي من ناحية أخرى، تفصح عن نهج الأمير مقرن الإنساني وعمق تجربته في الحكم والإدارة وأسلوبه القيادي العملي، الذي يرتكز على العمل التشاركي الاجتماعي. ما يميز الأمير مقرن خبراته المتعددة كونه طيارا حربيا سابقا متمرسا على قيادة الطائرات الحربية المعقدة، ومن ثم كحاكم إداري أمضى وقتا طويلا في إدارة منطقتين مهمتين، وقد أسهم في تنميتهما بتقديم أفكار ومشاريع اقتصادية واجتماعية ما زالت تتوالى آثارها الإيجابية حتى الوقت الحاضر. هذا المزيج من الخبرات والمعارف جعلت أسلوبه القيادي يجمع بين الاهتمام بالتفاصيل الفنية ودقة العمل والمعايير المهنية وبذات الوقت الحرص على تكوين علاقة مع الناس مبنية على المحبة والتعاون والاحترام وتعزيز روح المبادرة. هذا النوع من الأسلوب القيادي يسمى "العمل بروح الفريق" وهو أعلى وأجدى أنواع القيادة، خاصة في الظروف التي تتسم بالتغيير وعدم الاستقرار. إذ إن مواجهة تحديات المجهول تستلزم تعاون وتكاتف الجميع والإعداد للقادم من الأيام بالتكامل والإيمان بالعمل الجماعي. فلم تعد الحلول الفردية البسيطة تناسب القضايا الحاضرة، التي أصبحت أكثر تعقيدا ولا تأخذ نمطا محددا يمكن التنبؤ به، وبالتالي لا يمكن التخطيط لها بدقة وبناء على حسابات دقيقة. هذا الغموض الذي يكتنف المستقبل يتطلب نوعا خاصا من القياديين يمتلكون البصيرة والحكمة وقدرة على تصوره ورسم ملامحه وفهم المتغيرات وتحليل الأوضاع معتمدين على مخزون معرفي تكون عبر سنين من التجارب والخبرات. وإذا كان القياديون يتباينون بخبراتهم العملية، فلا شك أن خبرة الأمير مقرن في الطيران الحربي وما تتطلبه من دقة التعامل مع كم هائل من المعلومات والأوضاع الحرجة التي تضغط نحو صنع قرارات لحظية حاسمة بالإضافة إلى رؤية الأفق البعيد وتحديد مساره واتجاهه منحته التفكير الاستباقي والرؤية الاستراتيجية الشاملة. وإن كان الطيران منحه الدقة في العمل والرؤية المستقبلية، فإن ممارسته للحكم المحلي منحه مهارة التعامل مع الناس ووضع حلول عملية لكثير من القضايا المحلية. ولذا لم يكن مستغربا أن يحظى الأمير مقرن برصيد عاطفي كبير وقبول ومحبة لدى جميع فئات المواطنين. كيف لا وهو امتداد لمدرسة الملك عبد العزيز ونهجه السياسي المبني على سياسة الباب المفتوح والوقوف على مسافة واحدة من الجميع والعمل على تحقيق العدل والرفاهية والأمن والأمان والحفاظ على كرامة المواطن. هذا الحديث المقتضب عن الأمير مقرن لا يستوفيه حقه، وإنما هو ملمح سريع يوضح نهجه وربط ذلك بتبنيه مبادرة جائزة للمسؤولية الاجتماعية. فهي تتناسب مع أطروحاته ونهجه وأفكاره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وعندما ينادي مسؤول حكومي وحاكم إداري محلي سابق بضرورة تفعيل برامج المسؤولية الاجتماعية، فإن ذلك لا يأتي من فراغ، ولكن عن دراية ومعرفة بأهمية مساهمة المؤسسات الخاصة في التنمية المحلية. هذا التوجه ينسجم مع النهج العالمي الجديد في إدارة المجتمعات المحلية أو ما اتفق على تسميته "الحوكمة المحلية". وتعني أنه لم تعد الأجهزة الحكومية وحدها مسؤولة عن إدارة التنمية، وإنما هي عمل مشترك يتداخل فيه جميع مكونات المجتمع المحلي وعلى الأخص المؤسسات الخاصة المستفيد الأكبر من نشاط الاقتصاد. هذا العمل التشاركي يشترط الانتماء بالمكان وتطوير القدرات المحلية وصناعة التميز التي تمكن من المنافسة. وفي ظل التقدم التقني الذي جعل العالم قرية صغيرة تتشابك فيها المصالح أصبح هناك تحول من اقتصاد الموقع إلى اقتصاد المكان فلم تعد الموارد المادية تحتل أولوية، مقارنة بمورد المعرفة والابتكار. هذه المعرفة ليست خاصة بالجوانب الفنية والتقنية للعملية الإنتاجية وحسب، وإنما الأهم الثقافة المجتمعية بقيمها وطرق التفكير في البحث عن حلول جديدة وتصنيع منتجات بأسلوب متميز. القصد هو إدراك أن هناك وضعا مربحا يحقق النفع للجميع، وهو يستلزم وعيا جماعيا ورؤية مشتركة والتزاما من جميع مكونات المجتمع المحلي للقيام بمسؤولياتهم لضمان تحقيق أهداف التنمية المحلية. والمطلع على المشهد المحلي يجد أن هناك ضرورة لإعادة التوازن للمجتمعات المحلية، وجعلها متماسكة وملتحمة ومتعاونة، كما كانت عليه قبل الطفرة الاقتصادية التي خلقت نوعا من الجفاء الاجتماعي فيما بين سكان الأحياء. وهنا تأتي برامج المسؤولية الاجتماعية لتكون رافدا أساسيا في إدارة وتنمية المجتمعات المحلية، وتفعيل النشاط الاجتماعي، وتعزيز اللحمة بين السكان المحليين ومعالجة مشكلاتهم. ولكن العمل المشترك المحلي يتطلب إطارا مؤسسيا ونظما اجتماعية تستكشف الإمكانات المحلية وتوظفها وتحدد الأولويات والاحتياجات وتسعى لتلبيتها. وهذا ما على المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال العمل عليه إذا ما أرادوا ضمان نجاح الشراكة في التنمية المجتمعية. إن إطلاق جائزة الأمير مقرن للمسؤولية الاجتماعية فرصة لتطوير ثقافة جديدة تقوم على أن تنمية المجتمع المحلي مسؤولية الجميع. ويفترض أن تبادر المؤسسات الخاصة وتقود العمل التنموي المحلي التشاركي بحكم قدراتها الإدارية والمالية، وأنها المستفيد الأكبر من عوائد التنمية. وفي البلد القارة مثل السعودية يفترض ألا تكون الجائزة محصورة فقط على المستوى الوطني والتنافس بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، وإنما أيضا على مستوى المناطق والمحافظات، إذ إن المسؤولية الاجتماعية في أساسها محلية، وكلما اقتربت من المواطن وهمومه وقضاياه المعيشية اليومية، كلما كانت أجدى نفعا. الجائزة ليست هدفا بحد ذاته، وإنما عملية تثقيفية مستمرة للفت الانتباه وزيادة الوعي بالدور الأساسي والمهم للشركات في التنمية. الجائزة صوت مرتفع يقول لقد حان الوقت للقطاع الخاص أن يتخلى عن فكر الأنانية والمصالح الفردية الضيقة ويتحول إلى فكر العمل التنموي التشاركي لتوسيع دائرة الانتفاع الجماعي وتحفيز النمو الاقتصادي ليفيض الخير في بلد الخير على الجميع.
إنشرها