Author

سياسات تحفيز كفاءة الطاقة .. «الفرق واضح»

|
أشارت وكالة الطاقة الدولية في كتابها بعنوان: "تقرير سوق كفاءة الطاقة 2013" إلى أن حجم الاستثمارات في صناعة كفاءة الطاقة حول العالم وصل إلى 300 مليار دولار في عام 2011. اللافت في هذا الإصدار – الذي يعد الأول من نوعه للوكالة – أن هذا التقدير يعد متحفظا لأنه اعتمد على حجم استثمارات مبادرات القطاع العام، ومؤسسات التمويل التنموية، إضافة إلى بعض المبادرات الخاصة الضخمة. هذا إضافة إلى تناثر هذه الصناعة بين جهات عديدة إذا ما قورنت بصناعة إمداد الطاقة، وبالتالي يصعب جمع بيانات ومعلومات تعكس واقع الصناعة. ومع ذلك فإن مجموع استثمارات هذه الصناعة الواعدة تخطى حجم الاستثمارات في الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء في العام نفسه (2011) كأبرز دليل على ازدهارها. وفي ذلك إشارة صريحة وواضحة إلى وجود تحول نوعي في معادلات التوازن بين الإمداد والطلب على الطاقة. بمعنى أن العالم في الوقت الحاضر – خاصة في الدول النامية والاقتصادات المتحولة – أصبح أكثر وعيا بأهمية الاستثمار في تحسين إدارة الطلب على الطاقة بدلا من التركيز – شبه التام – على زيادة الإمداد. هذا الأمر ينطبق تماما على بلادنا التي تواجه تحديات كبيرة جدا للوصول إلى حالة توازن مثالي ومستدام بين الطلب والإمداد على الطاقة. فالتوجه السائد لتدارك تحديات تسارع استهلاكنا المحلي للطاقة كان – وما زال إلى حد كبير- هو التركيز على زيادة الإمداد من خلال تمويل مشاريع ضخمة جدا خاصة في قطاع الكهرباء. وما زاد الأمر تعقيدا أن مستوى الدعم المالي - من خلال إقراض الدولة لشركة الكهرباء - والنفطي - من خلال توفير الوقود بأسعار زهيدة لشركة الكهرباء - لا يتناسب مع العائد الاقتصادي والمالي لبناء وتشغيل تلك المشاريع ولا مع حجم الاقتصاد الكلي للبلاد. ولعكس آثار هذا التحدي بالتحديد، أصبح الرهان الآن على جهود المركز السعودي لكفاءة الطاقة "كفاءة" لضبط مستويات الطلب على الطاقة. إلا أن هذه الجهود، على الرغم من الإنجازات الملموسة، لا تخلو من التحديات. فتحسين كفاءة استهلاك الطاقة مرتبط بتغيير سلوك المستهلك نفسه من جهة، ومرتبط أيضا بتحسين مواصفات المباني والأجهزة الكهربائية ووسائل النقل من جهة أخرى. والثابت أن تحسين سلوك المستخدم مرتبط بفرض تعريفة تجعل من استهلاكه أكثر مسؤولية وحرصا على موارده. إلا أن مجرد الحديث عن تغيير التعريفة هو أمر غير عملي في الوقت الراهن، وبالتالي كان التركيز على تحسين مواصفات المباني والأجهزة الكهربائية ووسائل النقل. وبالفعل تم إطلاق حملات توعوية مكثفة للمستهلكين، وكان التنسيق المميز بين عدة جهات حكومية لمنع استيراد أو تصنيع الأجهزة ذات كفاءة متدنية، خاصة ذات الاستهلاك الكثيف (كالمكيفات والسخانات والغسالات والثلاجات). وعلى الرغم من نتائج "كفاءة" التي تستحق كامل التقدير، إلا أنني أزعم جدلا أن هذه الحملات والجهود تواجه تحديات نوعية وثقافية بدأت تتكون منذ عقود. فكما أشير سابقا في مقال "إجراءات لإصلاح الدعم الحكومي للطاقة .. تمهيد" (الاقتصادية عدد 7640) نشأت لدى الدولة ثقافة منذ سبعينيات القرن الماضي قاومت من خلالها كل التوجهات التي تبنتها الدول المستوردة (ومن ضمنها تحسين كفاءة الطاقة) التي تهدف إلى الاستغناء عن نفط المملكة. ومع اختلاف الدوافع التي أسهمت في اقتناع أصحاب القرار والتأثير في الوقت الحاضر بمدى أهمية تحسين كفاءة الطاقة التي ستسهم في عكس آثار تسارع استهلاكنا المحلي، إلا أن الأمر يتطلب دعما استثنائيا وموارد مكملة لجهود "كفاءة" إذا ما أردنا بث هذه القناعة والمسؤولية لدى المستهلك العادي، وبالتالي الوصول إلى نتائج قياسية ومتسارعة. استعرت شعار الحملة التوعوية المكثفة التي انطلقت بداية هذا الأسبوع "الفرق واضح"، والتي تهدف إلى توعية المستهلكين بأهمية وفوائد العزل الحراري في المباني والفرق الذي يلمسه بين المبنى المعزول وغير المعزول من آثار نفسية ومادية إيجابية عديدة. وتعود أهمية هذه الحملة إلى أن قطاع المباني وحده يستهلك 90 في المائة من كامل استهلاك الكهرباء في المملكة والعزل وحده كفيل بتخفيض استهلاك الكهرباء يصل إلى 40 في المائة. إلا أني سأستخدم الشعار نفسه في سياق آخر موجه إلى أصحاب القرار والتأثير حول أهمية اعتماد سياسات تحفيز مكملة لجهود الحملات التوعوية. فبينما تبذل الجهات المختصة جهودا مشكورة لتنفيذ آليات العزل الحراري على جميع المباني في المملكة (القائمة وتحت الإنشاء) خاصة المباني السكنية، إلا أن الفرق سيكون أكثر وضوحا، إذا فهمنا العوائق والتحديات التي تواجه المستهلك لعزل منزله أو منشأته. بل إن فهم المستهلك نفسه وظروفه الاقتصادية والنفسية فضلا عن فهم دوافعه للمشاركة في مبادرات تحسين استهلاك الطاقة يعد تحديا بحد ذاته لمعدي برامج كفاءة الطاقة حول العالم كافة. فالعوامل التي تسهم في رفع نسبة الاستجابة للمستهلكين تتأثر بجوانب عديدة ومعقدة. فالحكومة النيوزيلندية، على سبيل المثال، وفرت الدعم لمستهلكي القطاع السكني لتحسين مؤشرات كفاءة الطاقة التي تعد منخفضة قياسا بالمعدلات العالمية. إلا أن الاستجابة كانت محصورة إلى حد كبير على ملاك الوحدات السكنية الذين تقدموا بطلبات الدعم لعزل منازلهم (التي يسكنونها) وقاموا بتغيير بعض الأجهزة الكهربائية بمواصفات أعلى. أما المستأجرون وملاك المنازل (بغرض الاستثمار) فكانوا أكثر تحفظا لأن الحوافز لم تكن مغرية بالدرجة الكافية. في المقال القادم سنلقي الضوء على الدروس المستفادة من حوافز بعض برامج كفاءة الطاقة حول العالم متبوعا بفهم أهمية تحديد حجم الحافز المالي المناسب لبرنامجنا الوطني ودور إطلاق الشرارة الإبداعية لتحقيق أهداف البرنامج.
إنشرها