Author

الغرق تحت زخات المطر

|
سيداهمك الجوع – وقد يودي بحياتك - إذا اعتمدت على المطر لزراعة ما تأكل بينما حياتك محصورة في مكان أمطاره شحيحة، وسيصبح الوضع أصعب إذا كنت في مكان لا تنقطع زخات المطر عنه كثيرا غير أنها لا تكفي لدوام مصادر الغذاء والحياة. هنا يصبح زخم الماء مجرد عامل سلبي يقوم بإغوائك، يصيبك بالسعادة ويدعوك للاحتفال في اللحظة التي يجب أن تعمل فيها ويجبرك بعد ذلك على أن تعمل في وقت الاحتفال. هذا بالضبط ما يحصل للمستثمر البسيط الذي يبحث عن تأسيس نفسه ماديا وينجرف خلف الحدث الذي لا يصنع له الثراء، ولكنه يضمن له رفاهية الحديث ومفاتيح الجدل التي لا تسمن ولا تغني من جوع، حينها يضفي عليه وهم الثراء – وهو بعيد عن الثراء - ارتياح مؤقت وخداع. الحديث العميق عن سوق الأسهم والاكتتابات والمساهمات المالية مع عدم وجود خطط وأهداف مالية محددة أشبه بمناقشة تأثير ميلان زاوية هطول المطر في نمو المزروعات مع أن الماء ذاهب إلى البحر لا محالة، وهذا الامر ليس غريبا علينا على الإطلاق! أين يقع سوق الأسهم في خيارات الفرد الاستثمارية؟ أين تقع بقية الخيارات كذلك؟ لماذا يتحرج من الادخار ولكنه على استعداد لرمي كل ما يملك وما لا يملك في مساهمة مالية غير نظامية؟! يجب أن نختار بعناية أين نضع نقودنا ولا نكتفي بمتابعة ومشاركة أحاديث الآخرين. يجب أن نهتم بصنع ما يكفي لادخار ما يكفي، فعوائد الاستثمارات لا تعوض الكسل والحديث عنها لا يؤمن ضد الجهل. تختلف الأهداف المالية الشخصية من فرد لآخر - الكثير منا لم يبلورها بعد - وتختلف كذلك القدرة الشخصية على مواجهة المخاطر، وتختلف أيضا القدرة على الاستثمار - والملاءة المالية - وبكل تأكيد تختلف الخيارات الاستثمارية الموجودة في كل وقت ومكان، ومع كل هذه الاختلافات نجد العديد من الناس يتبعون الاستراتيجية الاستثمارية نفسها، بل ربما المحلل الفني نفسه الذي تقتصر خبرته على متابعة المؤشرات وما تخطه من اعوجاجات على الشاشة. يتدهور سريعا من يبحث عن الربح السريع وتصبح قدرته على رؤية خط الزمن أضعف من غيره بكثير. ينسى حينها التفكير في المستقبل وتصبح قرارات الحاضر لديه مشوهة تماما لأنها تُبنى في عزلة عن الواقع الزمني المحيط بها. يقول المستثمر الأمريكي وارن بفيت: "الحياة مثل كرة الثلج، كل ما عليك هو أن تبحث عن الثلج الرطب - أي الفرص الاستثمارية – والمنحدر العالي – أي الزمن الطويل". من لا يتمكن من إيجاد هذا المنحدر العالي - ويصبر عليه - هو لا يراه على الأرجح، هذا أشبه بقصر نظر ذهني يعيق صاحبه عن اتخاذ القرارات الصحيحة ويدفعه للجري خلف تلك الأمور الملحة التي تقترب منه دون أن يبذل لها الجهد، التي تأتيه وهو لا يحتاج إليها، والتي يتسابق عليها الجميع وهي لا تستحق. الوقاية من هذه الخدعة الحياتية تكون بحل واحد لا بديل له - في الحقيقة هناك بديل مهين وهو أن يعيش الشخص معتمدا على الآخرين رهينا لظروفهم وتصرفاتهم. أما من يريد الاعتماد على نفسه فلا بد له من تحديد شكل وحجم وجودة القارب الذي يبحر به، ولا بد من أن يتعلم بعض أساسيات ومخاطر الإبحار ومتى يواجهها ومتى يبتعد عنها، ويحدد الوجهة التي يريد – وهذا مهم جدا – ويحتفظ بأكثر من خطة بديلة احتياطية، وبعد كل ذلك له أن يبحر في آمان. تحديد الوجهة يعني تحديد الأهداف – الحياتية ثم المالية – وتحديد إمكانات القارب يعني التعرف على الأدوات والقدرات المتاحة لنا في هذه الرحلة سواء المرتبطة بمهاراتنا وقدراتنا الإنتاجية – كمستوى الدخل وكيفية تحسينه – أو تلك المرتبطة بالظروف من حولنا وما قد يتاح لنا من أدوات وعلاقات تحسن الوضع إجمالا. وأما أساسيات الإبحار فهي القواعد التي تعمل بها الخيارات الاستثمارية – كل استثمار له طبيعته وقواعده - ومخاطر البحار معروفة ولا يمكن معها إلا مواجهتها باستراتيجية ملائمة وحصيفة يمكن الالتزام بها أو بالهرب منها – وتجنب الإبحار تماما، أي الاكتفاء بالراتب الشهري وتطبيق مبدأ: "اصرف مافي الجيب" وتدين نهاية الشهر! بمثل هذه الخطوات تصبح الخيارات الاستثمارية محددة وواضحة، يمكن حينها أن يساهم الوعي الذي ينتج لنا في تكوين وعاء استثماري دائم ومنوع يناسب قدراتنا وظروفنا الاقتصادية، يمكننا أن نخلط بين المخاطر المتدنية والمرتفعة وفق رؤيتنا المدروسة، وليس وفق رؤية الآخرين العشوائية. بهذا تصبح زخات المطر أقل خطرا وتشويشا على قراراتنا، وتتجسد تبعا لذلك فرصة الحياة كما يجب.
إنشرها