Author

الاستيلاء على الأراضي وإيقاف حجج الاستحكام

|
هناك تنسيق بين وزارة العدل ووزارة الشؤون البلدية والقروية لوقف الاستيلاء على الأراضي خارج النطاق العمراني في مدينة جدة، وهو قرار سيؤثر في زحف الهوامير نحو الأراضي البيضاء وتعديهم الذي لا يعرف حدودا للتوقف أو الشبع وبعد هذا القرار لن تقبل المحاكم الشرعية أي دعوى بطلب استخراج حجة استحكام لأرض خارج مدينة جدة في محاولة لوقف هذه الظاهرة التي أدت إلى استيلاء بعض الأفراد على أراض مملوكة للدولة، وهي ظاهرة نمت بسرعة، وكأن هناك سباقا محموما نحو تملك الأراضي وبناء ثروة ضخمة من خلال استخراج صكوك أو حجج استحكام أو الشراء ممّن لا يملك، والاستناد إلى تلك الأوراق الرسمية أو عقود الشراء لإثبات حق الملكية، وهذه الظاهرة بقدر ما تسيء إلى المال العام، فإنها تعقد كثيراً انتشار المرافق الحكومية والخدمية، التي لا بد لإقامتها من وجود أراض حكومية كمرحلة أولية قبل اعتماد أي ميزانية أو حتى التفكير في إنشاء مرفق عام. ولأن هذه الممارسة غير الشرعية وغير النظامية أيضا قضمت الكثير من الأراضي الحكومية في معظم المناطق والمحافظات الرئيسة، فإن هناك مواجهة حاسمة تتطلب إعادة تلك الأراضي إلى ملك الدولة حتى يمكن السير في خطط التنمية وتنفيذ مشاريع الصحة والتعليم التي أصبحت في مأزق مع عدم وجود أراض حكومية ليتم عليها إنشاء تلك المشاريع، كما أن ارتفاع أسعار الأراضي السكنية وصل إلى معدلات لن يحلم أبناء الطبقة الوسطى بالوصول إليها بسهولة، فقد كان الارتفاع الحاد في الأسعار من نتائج الاستيلاء على الأراضي الحكومية، فقد أصبحت الأراضي الصالحة للبناء والسكن خارج المدن وبمسافات تحسب بالكيلو مترات عن وسط المدن، بل عن أبعد الأحياء التي تصل إليها الخدمات الضرورية للسكن، مثل الكهرباء والماء. إن ما قامت به لجنة مراقبة الأراضي وإزالة التعديات في محافظة جدة خير مثال على منع الاستيلاء غير المشروع على أراضي الحكومة ومنع استنزاف الاقتصاد الوطني، لأن التعديات تحد من وجود الأراضي البيضاء التي يمكن تخطيطها وتوزيعها على مَن تنطبق عليهم شروط المنح والتوزيع من المواطنين أيضا، فإن ظاهرة التعدي على الأراضي البيضاء تؤدي إلى انتشار الأحياء العشوائية، حيث لا توجد مظلة نظامية تحمي من يتعدون على أراضي الدولة، ولقد سبق لصندوق النقد الدولي أن دعا إلى ضرورة وجود تدابير تكفل تحريك العرض الساكن للأراضي البيضاء، وذلك من أجل المساهمة في حل مشكلة الإسكان، وهذه الملاحظة في الواقع عملية لأنها ستؤدي إلى رفع مستوى المعروض من الأراضي لأجل تخفيف تكلفة الإسكان على الدولة وعلى المواطنين. إن التملك بوضع اليد هو نوع من فرض الأمر الواقع، على الرغم من وضوح موقف النظام من ذلك، خصوصا بعد أن صدرت التعليمات فيما يتعلق بحجج الاستحكام وإيقافها حتى تتم إعادة ترتيب الوضع بكامله، وهي في الواقع معالجة مؤقتة لأنها تمنع التعديات وتجردها من قيمتها الشرعية والنظامية، حيث كان التحايل إحدى الوسائل لاستخراج بعض حجج الاستحكام، بل إن الممارسة تطورت وأصبح هناك خبراء في القفز فوق التعليمات؛ ما أدى إلى إيقافها بصورة نهائية حتى يعاد التنظيم بما يخدم المصلحة ويحقق التوازن بين حق الدولة في حفظ الأراضي وتوزيعها وحق المواطن في التملك، خصوصا مَن لا يستطيعون الحصول على أرض لبناء سكن خاص.
إنشرها