Author

ماذا يميز الصندوق السيادي عن احتياطيات البنك المركزي؟

|
خبير بجامعة ستانفورد ومركز الإدارة المالية والسياسات في معهد مساشوسيتس للتكنولوجيا MIT وعمل سابقا كبير المستشارين ورئيس جهاز الاستثمار في "ساما"
يكثر الحديث من فترة لأخرى والمطالب والتوصيات بإنشاء صندوق سيادي للمملكة تحوطا للمستقبل. ويصبح الأمر أكثر إلحاحا وأهمية في مثل الظروف الحالية بعد التراجع الأخير لأسعار البترول. وتختلط الأمور في كثير من الأحيان في المعنى والهدف من إنشاء صندوق سيادي. ومعظم التركيز في ذلك يدور حول عوائد الاستثمار والأرباح التي يمكن أن تتحقق. وهذا التركيز يضعف النقاش في هذا الموضوع البالغ الأهمية، وينحرف الموضوع عن جوهره، وذلك لسببين: 1. إن العائد على الاستثمار كان دائما نقطة قوة في إدارة الاحتياطيات بمؤسسة النقد خلال السنين والعقود الماضية، كما تم توضيح ذلك في مقالات سابقة. وهذا أمر معروف لدى صاحب القرار في المملكة. ولهذا فإن التعليق من هذه الزاوية لمصلحة الصندوق السيادي ليس مقنعا في حد ذاته، مع أن إنشاء صندوق سيادي سيعزز بلا شك من مجالات الاستثمار ويقوي الضوابط المؤسساتية التي تضمن استمرار النجاح في إدارة الاستثمار. 2. إن لب الموضوع وجوهر النقاش ينبغي أن يكون في الهدف الرئيس الذي تتم من أجله المطالبة بإنشاء صندوق سيادي وعدم الاكتفاء باحتياطيات البنك المركزي. وهذا يتعلق في المقام الأول ليس بموضوع العوائد والأرباح التي يمكن تحقيقها، ولكن في ترتيب مؤسساتي Institutional Framework يسمح ببناء احتياطيات مالية كافية على المدى البعيد والمحافظة عليها مستقلة تحوطا للمستقبل. وبالمقارنة فإن احتياطيات البنك المركزي تعد ذات طابع مؤقت ومتغير مرتبطة ارتباطا مباشرا بتمويل المصروفات تتأثر ارتفاعا وانخفاضا بمستويات الدخل والإنفاق الحكومي. ولهذا نرى أن احتياطيات المملكة لدى مؤسسة النقد تتأثر سريعا وبشكل كبير بالمصروفات الحكومية وبمستويات دخل البترول. ولو كانت تلك الاحتياطيات في صندوق سيادي، لما كان للمصروفات الحكومية أو التغيرات في دخل البترول أي تأثير مباشر في مستوى تلك الاحتياطيات. فالصناديق السيادية في الكويت والإمارات والنرويج وغيرهم هي عبارة عن عازل لاحتياطيات المستقبل عن التغيرات في المصروفات الحكومية وفي أسعار ودخل البترول. وهي بهذا تلعب دورا مهما في الاستقرار المالي والأمن الاقتصادي على المدى الطويل. وتتضح الصورة في تلك المقارنة بين الصندوق السيادي واحتياطيات البنك المركزي عند النظر في كيفية تمويل وبناء كل منهما. فاحتياطيات البنك المركزي/ مؤسسة النقد، تتجمع تلك الاحتياطيات وتتراجع من سنة لأخرى عن طريق الفروقات بين دخل البترول والإنفاق الحكومي i.e. Residuals، في حين أن الأموال أو الاحتياطيات الموجهة للصندوق السيادي تأتي بقرار حكومي للادخار للمستقبل ولإيجاد مصدر آخر للدخل. أي أنها بمثابة برنامج ادخار وطني للمستقبل موازٍ ومكمل لدخل البترول. والمعمول به في هذا المجال عند إنشاء الصناديق السيادية في العالم أن يصدر قرار حكومي أولا بتحويل جزء من الاحتياطيات المتوافرة لدى البنك المركزي لإنشاء وتمويل الصندوق السيادي. ثانيا، اعتماد آلية للادخار تتضمن تحويل جزء من دخل الدولة بشكل دوري للصندوق السيادي Saving rule. مثال على ذلك، يتم تمويل الصندوق السيادي في الكويت بتحويل 25 في المائة من دخل البترول مباشرة إلى الصندوق السيادي. ثالثا، يتطلب الأمر أيضا وضع آلية لضبط الإنفاق الحكومي Spending rule، بحيث تكون ميزانية الدولة/ الإنفاق الحكومي سنويا متناسقا مع إمكانات الدولة على المدى البعيد. والخلاصة: إن إنشاء صندوق سيادي سعودي وعدم الاكتفاء باحتياطيات البنك المركزي يعدان أمرين بالغي الأهمية للأمن الاقتصادي والاستقرار المالي في المملكة. وإن هذا يتطلب قرارات حاسمة فيما يتعلق بالضوابط المالية المطلوبة لإنشاء الصندوق السيادي. والفرصة تاريخية الآن مع توافر فوائض مالية للبدء سريعا نحو إنشاء صندوق سيادي سعودي ليكون رافدا وداعما لمالية الدولة، بما يجعل المواطن والمستثمر أكثر طمأنينة وثقة بالاقتصاد السعودي والإمكانات المالية للدولة، لاسيما في مثل الظروف الحالية المتعلقة بأسعار البترول وغيرها من المخاطر المستقبلية.
إنشرها