Author

لنمكّن «الخطوط الحديدية» من تحقيق رؤيتها ..

|
أذكر أن أمين منطقة الرياض السابق الأمير عبد العزيز بن عياف ضرب بقرار واحد عدة أهداف فحققها معا حيث أصدر قرارا يقضي بالسماح ببناء دور ونصف دور إضافي عن المسموح به لمن يتخلى عن بناء محال تجارية في الأراضي الواقعة على شوارع يسمح فيها بذلك حيث زاد هذا القرار المعروض من الوحدات السكنية "الشقق" المعروضة للإيجار فحد من ارتفاع إيجاراتها كما خفض عدد المحال التجارية التي تكتظ بها الطرق وتثقل كاهل الشركات بتكاليف إضافية يتحملها المستهلك وتزيد من الزحام المروري، كما خفض هذا القرار حجم العمالة الوافدة المطلوبة لتشغيل المحال التي تخلى عنها ملاك الأراضي بسبب هذا القرار، وحد تلقائيا من الضغط على الخدمات وتنامي التحويلات المالية للخارج. وباختصار حقق أمين منطقة الرياض السابق عدة أهداف بقرار واحد، ولقد تذكرت هذا القرار المبدع وأنا أطلع على تقارير لمؤسسة السكك الحديدية وعلى أخبارها وتصاريح رئيسها المهندس محمد السويكت الذي يسعى لخدمة الاقتصاد الكلي الوطني بكل أبعاده من خلال مهمة مؤسسة الخطوط الحديدية المتمثلة في تطوير شبكة الخطوط الحديدية لنقل الركاب والبضائع بما يتوافق مع حاجات البلاد ونمو مناطقها الاقتصادي والسكاني. رؤية المؤسسة من خلال موقعها هي "شبكة خطوط حديدية متطورة على مستوى المملكة، مرتبطة دولياً، تقدم بسواعد وطنية خدمات متميزة، بكفاءة عالية، وفق أسس اقتصادية تحقق فوائد النقل السككي للاقتصاد الوطني". وأعتقد أن المهندس السويكت من خلال تحقيق هذه الرؤية سيمكن بلادنا من خفض الكثير من التكاليف ومن ذلك تكاليف دعم الطاقة حيث سيخفض النقل السككي كميات الوقود المستهلك بوسائل النقل الحالية للأفراد والبضائع بشكل كبير، كما سيخفض حركة المركبات الصغيرة وسيارات الشحن التي تتلف الطرق وتزيد الزحام بشكل لا يطاق حالياً، كما سيخفض من نسبة ملوثات البيئة وحوادث الطرق وأعداد الوفيات والإصابات البشرية المكلفة علاجيا كما ستدعم حركة القطارات المقومات الاقتصادية لكثير من المناطق التي ستمر بها لنقل البضائع والأفراد ومنتجات المناطق الطبيعية والمصنعة. لنأخذ مثالا على ذلك وهو ما يتعلق بنقل البضائع من خلال الحاويات بعد أن أدخلت المؤسسة تقنية النقل المزدوج لتصبح المملكة من دول العالم الخمس التي تستخدم هذه التقنية لغاية دعم الاقتصاد الوطني، حيث تنقل 200 عربة نقل مزدوج يوميا أكثر من ألف حاوية نمطية تستعيض عن أربعة آلاف شاحنة تدمر الطرق، وتزحمها وتعطل انسيابية المرور، وتستهلك الوقود، وتلوث البيئة، وتتطلب صيانة هائلة ترفع من نسبة الأموال المحولة للخارج. وهذه فقط بين الرياض والدمام، فما بالنا لو مكنا المؤسسة من تعميم هذه التقنية على كل أنحاء المملكة؟! مثال آخر لدعم المؤسسة للاقتصاد الوطني الكلي من خلال النقل بالقطارات وهو نقل الحبوب والأسمنت بالقطارات لشركة أراسكو المستوردة للحبوب التي تنقل ثلاثة ملايين طن من ميناء الملك عبد العزيز بالدمام إلى مخازنها في الخرج حيث العمل جار لاستبدال النقل باستخدام 280 ألف شاحنة سنويا، إلى النقل بالقطار الذي سيوفر كل تلك الحركة والتكاليف والزحام والحوادث، ويخفف على الإدارة المرورية الكثير، والأمثلة كثيرة ومتعددة كنقل الأسمنت السائب وغيره. أحد الأصدقاء يقول إنه خرج بعد صلاة التراويح في الحرم المكي من مكة إلى جدة بهدف شراء بضاعة من جدة والعودة قبل صلاة الفجر للحرم المكي إلا أنه لم يستطع، حيث وجد نفسه في سيل من السيارات الخارجة من مكة إلى جدة وزحام شديد أخره لساعات، ويقول إنه عندها أدرك أن القطارات هي الحل ولا بديل عنها لأنها ستغني كل هؤلاء عن سياراتهم وتكاليفها ووقودها ..الخ، ويضيف: ماذا لو استخدمنا قطار المشاعر الذي يستخدم وقت الحج فقط في بقية الأوقات للعمل بين جدة ومكة ذهابا وإيابا. حسب علمي أن استهلاك الطاقة الهائل في المملكة ومن ذلك الوقود الذي سيستهلك كميات هائلة من النفط تحد من الكميات المصدرة مستقبلاً لا حل له إلا بالنقل الجماعي. القطارات هي الحل الأمثل لايقاف الكثير من محركات السيارات الناقلة للركاب والشاحنات الناقلة للبضائع. السؤال هل تستطيع مؤسسة الخطوط الحديدية تحقيق رؤيتها وخدمة رجال الأعمال والأفراد والاقتصاد الكلي معا بأعلى كفاءة ممكنة وجودة عالية دون تأخير لسنوات طويلة؟ بمعنى هل تتمكن المؤسسة من تحقيق نمو متسارع في بناء الخطوط الحديدية واستيراد القطارات وتشغيلها بكوادر وطنية مؤهلة تأهيلا عاليا؟ من جهتي أعتقد أن ذلك صعب جدا في الظروف القائمة حاليا رغم طموحات وتطلعات قيادة المؤسسة الحالية، ذلك أن المؤسسة التي لم تشهد تطويرا لأكثر من 30 سنة مضت ليست الجهة الوحيدة المسؤولة عن تطوير خطوط السكك الحديدية، حيث إن المسؤولية عن القطارات متوزعة خمس جهات حتى الآن هي: وزارة الشؤون البلدية والقروية (قطار المشاعر)، وشركة سار (قطار الشمال والجنوب)، ووزارة المالية (قطار الجبيل الدمام) المزمع إنشاؤه، وصندوق الاستثمارات (قطار جدة الرياض (الجسر البري)، وكلنا يعلم الأثر السلبي في منظومة النقل لتعدد الجهات وتعدد المرجعيات المسؤولة عن مشاريع السكك الحديدية وهو أمر يخالف مرجعيات الخطوط الحديدية في كل دول العالم فيها لوزارة النقل فقط. سئمنا جميعا ضياع الوقت الذي يعتبر موردا رئيسا في التنمية نتيجة المشكلات الإدارية ومنها تشتيت الصلاحيات والمسؤوليات، وعدم تمكين الكفاءات لتحقيق النقلات النوعية التي يطمحون إليها، ولاشك أن المهندس محمد السويكت كفاءة وطنية أحدث حراكا إيجابيا في النشاط السككي بالبلاد في مجال تطوير القطارات وتحسين جودة الخدمات المقدمة للركاب واختصار زمن الرحلات والعمل على فتح مسارات جديدة. ختاما، أتطلع إلى قرار عاجل يوحد مرجعية كل خطوط النقل السككي ويجعلها في وزارة النقل لتتمكن المؤسسة من تحقيق رؤيتها لنصل للكفاءة القصوى في نقل البضائع والركاب بالقطارات ونحقق كل أبعادها الإيجابية على الاقتصاد الكلي الوطني دون تأخير.
إنشرها