Author

ضياع حاضنات الأعمال

|
لا شك أننا في المملكة لا ينقصنا إيجاد حاضنات أعمال جديدة غير التي تعمل حالياً كبنك التسليف وصندوق المئوية وريادة وشركة واعد التابعة لأرامكو السعودية، لأنه وبحسب تصريحات المسؤولين في هذه الجهات أن لديهم مخصصات كبيرة كميزانيات لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلا أنهم جميعاً يشتكون من ضعف الإقبال وعدم ملاءمة المشاريع المتقدمة لتوجهات حاضنات الأعمال هذه، لأنهم يستهدفون المشاريع النوعية والمميزة لدعمها بالتمويل والدعم اللوجستي، ولهذا لا يجد من يدير هذه الصناديق أو الشركات الكثير من الفرص لدعمها. إن شكوى جهات التمويل هذه هي شكوى الكثير نفسها من رواد الأعمال، بل ورجال الأعمال في صعوبة تسويق منتجاتهم في الأسواق التي يستهدفونها، وأن عملاءهم لا يفهمون ميزات منتجاتهم التنافسية، مما يجعلهم يحجمون عن الشراء والتوجه لمنتجات منافسة أخرى، وفي قصة واقعية، قال أحد المسؤولين في إحدى جهات التمويل لأحد طالبي التمويل إن التسويق والوصول إلى الشريحة التي تستهدفها هو أهم عامل للنجاح، وإذا لم تقنعني بأنك تستطيع الوصول لهذه الشريحة فإنني لن أستطيع الموافقة على تمويلك. ماذا لو وجهنا السؤال نفسه للجهات التي يفترض أنها داعمة لرواد الأعمال، لماذا فشلتم في الوصول إلى عملائكم؟ لماذا تشتكون من عدم فهم رواد الأعمال لكم ولطبيعة الأعمال التي تريدون دعمها؟ الجواب يكمن في أحد أمرين لا ثالث لهما، فإما أنكم لم تقوموا بما عليكم القيام به للوصول للشريحة المستهدفة التي تريدونها، أو أن هذه الشريحة التي تستهدفونها غير موجودة أصلاً، وإلا ما تفسيركم للتغير المستمر في شروط ونوعية المشاريع التي تدعمها كل جهة من هذه الجهات؟ وما تفسيركم في تراكم الأرصدة المخصصة لدعم المشاريع الناشئة دون الاستفادة منها؟ إن نوعيات المشاريع التي تبحثون عنها قد تكون موجودة، ولكنها لا تتعدى 10 في المائة من المشاريع والأفكار التي يتوجه إليها رواد الأعمال، لأننا وبكل صراحة لسنا بلدا صانعا للتكنولوجيا أو متقدما في الجانب الصناعي، بل نحن بلد نامٍ، وأكثر ما نحتاج إلى تنميته هي قطاعات الخدمات غير النفطية وقطاع الصناعات البسيطة والتحويلية، التي لا تحتاج إلى تمويلات ضخمة، بل لا يتعدى تمويلها خمسة ملايين ريال للمشروع. أما المشاريع النوعية التي تدعي بعض حاضنات الأعمال استهدافها فإن تمويل المشروع الواحد منها قد يبلغ مائة مليون، وهذا الدور ليس دور حاضنات الأعمال، بل هو دور الشركات الضخمة والدولية التي تستهدف هذه المشاريع لشرائها والاستفادة منها في مجالها أو كاستثمار عالي الخطورة. إن أردتم دعم رواد الأعمال فتكلموا بلغتهم، فهم الأقرب للسوق منكم، وهم الأقدر على فهم السوق منكم، فلا نستطيع مقارنة فهم التاجر للسوق بفهم الموظف الذي يقضي معظم وقته في مكتبه، وكل ما لديه عن السوق هو أرقام صماء أو قصاصات جرائد. إن دعم حاضنات الأعمال للمصانع الصغيرة ومنشآت الخدمات غير النفطية هو المعول عليه لتحقيق إضافة حقيقية لاقتصاد بلدنا، وأما الإصرار على تخيل مشاريع لا وجود لها وليس مكانها البلدان النامية هو محض تخبط وضياع.
إنشرها