Author

المحاسبة الخليجية.. هل من اتحاد وميثاق شرف؟

|
مَن يصدق أن دول الخليج أمضت حتى الآن أكثر من 15 سنة تناقش لائحة "استرشادية" لنظام موحد للمحاسبين القانونيين في دول الخليج! 15 سنة والنقاش يدور حول نفسه، ولا داعي لمزيد من التعليق، والسؤال القائم فعلا: هل تريد دول الخليج أن تحقق تقدما نحو التكامل الاقتصادي إذا هي لم تستطع حتى الآن وطوال هذه المدة أن تحقق تقدما في لائحة استرشادية غير ملزمة للمحاسبين؟ والأمر في موضوع المحاسبين لا يخرج عن كون هذه المهنة مهمة جدا عند دول المجموعة الخليجية، ولذلك فهي تقدم خطوة ثم تعيدها، أو أن الأمر غير مهم فتركته لمن ليس بمقدوره أن يتخذ فيه قرارا.. فلا هو رفع الموضوع إلى صاحب قرار ولا هو اتخذ قرارا بنفسه. مهنة المحاسبة والمراجعة من أهم المهن، ولا يمكن تصور اقتصاد حديث يعمل دون أن تتطور هذه المهنة، وفي الخليج لدينا ثلاث مشكلات أساسية في هذا الموضوع، الأولى تتمثل في المرجعية المهنية، والثانية في الاختبارات المهنية، والثالثة في عمل الأجنبي. ففي موضوع المرجعية المهنية تختلف الدول اختلافا جذريا وإن كانت جميعها تعاني تأخرا كبيرا في تطوير هياكلها المهنية، فهناك من الدول ما لديها مرجعية مهنية كمثل الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، ومنها ما ليس لها مثل هذه المرجعية، ومنها ما تهيمن عليه الوزارات الحكومية كليا مما يؤثر في استقلالها، ومنها ما لها بعض الاستقلالية وإن كانت هشة، وهذا كله يجعل المهنية والمهنيين غير قادرين على تطوير عميق في العمل والتكامل طالما أن القرارات تتخذ بطابع سياسي وليس مهنيا. المشكلة الثانية تتعلق بالاختبارات المهنية، فبعض دول الخليج ترى أن وجود اختبارات لكل دولة مضيعة للوقت، وأن هناك اختبارات دولية معتبرة يمكن الاكتفاء بها وتوفير مراكز اختبارات مهنية في كل دولة، ومنها ما تأخذ هذا موضوع من منظوره السياسي وتدعو إلى الاستقلال المهني. والمشكلة الثالثة أن بعض الدول ترى وجود الأجنبي في المهنة أمرا ضروريا؛ نظرا لقلة المواطنين الراغبين أو من لديهم "القدرة" على دخول المهنة، فإذا تم إقصاء الأجنبي، فإن المهنة ستموت تماما، وهذا ليس مقبولا اقتصاديا، ومنهم من يرى أن الأجنبي يمثل تهديدا لتطور المهنة ودخول المواطنين إليها. لا توجد نقطة التقاء بين كل هذه الاتجاهات، ولا أحد ممن يجتمع تحت قبة الأمانة العامة لدول مجلس التعاون من هؤلاء المهنيين لديه القدرة على اتخاذ قرار بشأن هذه الموضوعات، وغيرها مما هو أقل شأنا، ولم يجتمع وزراء التجارة والاقتصاد أصحاب القرار الفعليون على كلمة سواء في الاهتمام بهذه المهنة. ونعود لنقول، لا يمكن أن نحقق تكاملا اقتصاديا ما لم نضع بنية واحدة لمهنة المحاسبة والمراجعة، ذلك أننا بحاجة إلى أن نثق بالمعلومات المالية المتبادلة، وهذا لا يمكن تحقيقه إذا كانت كل دولة لا تثق بالمحاسبين العاملين في الدول الأخرى، وهم من يعد تلك المعلومات والقوائم المالية، وإذا كنا لا نثق بمن أعدها فكيف نثق بالقرارات التي تستند إليها، من المهم أيضا أن نوحد الأساس الذي تبنى عليه هذه المعلومات، فهناك اليوم ما يسمّى المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية، والمعايير الدولية للمراجعة، فإذا كان لكل دولة نظرتها الخاصة تجاه مستوى تطبيق هذه المعايير ولا يوجد في معظم دول الخليج مرجعية مهنية للتأكد من سلامة التطبيق ومن متابعة التطورات على هذا الصعيد، فإن أي أمل في التكامل الاقتصادي بعيد المنال في الوقت الحالي، ذلك أن التكامل في مهنة المحاسبة والمراجعة هو الخطوة الأولى لذلك، فإذا لم نستطع أن نخطوها فكيف لنا أن نصعد باقي درجات السلم الصعبة؟
إنشرها