العالم

الأكراد.. طلب «الموت» لا يمنع الحياة

الأكراد.. طلب «الموت» لا يمنع الحياة

الأكراد.. طلب «الموت» لا يمنع الحياة

الأكراد.. طلب «الموت» لا يمنع الحياة

الانتصارات الجزئية التي بات يحققها أكراد سورية أخيرا، عند مداخل كوباني المحاصرة، وعلى مرأى من الدبابات التركية. تلفت النظر العالمي مرة أخرى لثقافة كردية مسلمة لا ترتبط بجغرافيا محددة، سبق أن حازت الإعجاب، بفضل أكراد العراق وقواتهم المعروفة باسم "البشمركة". ويأتي هذا الإعجاب في وقت أساءت فيه التنظيمات الإرهابية، لصورة الإسلام ومعتنقيه. فإلى جانب تضامن الرجال والنساء للدفاع عن الأرض، هناك الاستمتاع حتى بحياة القتال في مواجهة الموت. ###دين واحد ولعل القصة التي تنقلها الوكالة الفرنسية عن مقاتل كردي سوري يدعى "جنيد هيمو"، تدعو لتأمل الفارق بين عقيدتين في القتال. إذ يذكر هيمو كيف توسل إليهم أحد الجهاديين، بعد أن أسروه، كي يقتلوه حتى "يذهب إلى الجنة لينال ثوابه". ويروي هيمو بنبرة رزينة شبه باردة، قصة لقائه المفاجئ بأحد "أوغاد" تنظيم داعش، كما يصفه. "اعتقلنا أحدهم في الشارع"، قال متذكرا وهو يسحب نفسا من سيجارته. "كان أذربيجانيا في العشرين من العمر تقريبا، وخاطبنا بالعربية". وعلى عكس آخرين، لم يحمل "هيمو" السلاح في صفوف وحدات الدفاع الشعبي، الميليشيا الكردية المسلحة الرئيسية في سورية، لمواجهة تقدم جهاديي التنظيم المتشدد في المدينة. لكنه ظل قريبا من المواجهات وكان يقوم بتزويد مجموعة من "المقاومين" بالمياه والغذاء. في ذاك اليوم، كان معتقَلهم، "نتنا جدا" على ما وصفه هيمو باسما، وأطال الشرح لمعتقليه أنه أتى إلى كوباني "لتخليصهم من الكفر". ويضيف هيمو "سألناه لماذا يهاجمنا داعش" التسمية الأخرى لتنظيم الدولة الإسلامية. "أجاب لأننا كافرون، وأنهم تلقوا أمرا بإعادتنا إلى الإسلام الصحيح، وأنهم يعتبرون ممتلكاتنا ونساءنا وبناتنا حلالا لهم". ###غسيل دماغ لكن المقاتلين الأكراد أرادوا أن يثبتوا له أنهم يشاطرونه دينا واحدا، فاصطحبوه إلى أحد مساجد المدينة. وبدأت حينئذ جلسة مذهلة من النقاش وسط دوي رصاص الكلاشينكوف وطلقات الهاون، في مدينة تمزقها الحرب. إلا أن محاولاتهم لم تجد، بحسب هيمو، فقد أصر الجهادي على موقفه فيما ظل تحت مراقبتهم الدائمة. وأوضح "حاولنا عبثا أن نعيده إلى المنطق، لكنه لم يرد الإصغاء". "أكد لنا تكرارا أننا كفار وأنه يريد الذهاب إلى الجنة حيث سيغنم أربعين حورية وعد بهن". حتى عندما قدم له المقاتلون الأكراد الطعام والماء، رفض الأذربيجاني بعناد، مؤكدا أنه إن نجح في الفرار، فسيعود للقتال، وأنه مستعد ليفعل مثل "إخوانه" الانتحاريين. #2# منذ مطلع معركة كوباني استهدفت عدة هجمات انتحارية مواقع الأكراد. كما نفذت مقاتلة كردية في العشرين من العمر عملية مشابهة. فيما يؤكد جنيد هيمو أنه ما زال حتى الآن لا يفهم تعنت الجهادي، واحتقاره للموت. وأضاف "قال لنا مرارا "أنا سعيد لإخواني الذين قتلوا لأنهم باتوا شهداء، وأريد ملاقاتهم في الجنة". وأكد هيمو أن مقاتلي وحدات الدفاع الشعبية كانوا يريدون في البدء إبقاء الأذربيجاني معتقلا لديهم. لكن تعنته وعلى الأخص في أعمال العنف الانتقامية التي نفذها نظراؤه بحق مدنيين لم يترك لهم خيارا. فبعد 24 ساعة على اعتقال الجهادي، قتل بعدة رصاصات في الرأس. وختم هيمو في ما بدا كأنه تبرير "على كل حال، غسلوا دماغه.. ولم يكن يخشى الموت". ###جيل جديد وفي مقابل أكراد سورية الذين يعانون الأمرين، من نظام لا يأبه إلا بسلطته وحدود نظامه وقياداته، من جهة، و"داعش" التنظيم الإرهابي المتعطش للدماء من جهة أخرى. هناك أكراد العراق الذين تمكنوا من إقامة حكم ذاتي يكفل لهم إدارة شؤونهم الحياتية والعسكرية بشكل أكثر تنظيما، ما أتاح لهم كثيرا من المساعدات الدولية، التي وإن لم تكن كافية، كما تذكر قيادات البيشمركة، إلا أنها تبقى أفضل بكثير من حال أكراد سورية المحرومين من أي مساعدة باستثناء الحملات الجوية التي ينفذها طيران التحالف من وقت إلى آخر. ومع ذلك استطاعوا تحقيق انتصارات بسيطة في وقف تمدد "داعش"، ما يشير بدوره، مرة أخرى، إلى هذه الثقافة الصلبة، منذ زمن، في الذود عن أرضها وشعبها،على الرغم من تغير الأجيال وتفاوت أعمارها، وتباين اهتماماتها. فبعد عودتهم من جبهات القتال ضد تنظيم "الدولة" في شمال العراق، يجلس مقاتلو البشمركة الشباب بسراويل الجينز، حول طاولة عليها بعض عبوات مشروبات الطاقة، وهواتف ذكية، في مشهد يناقض الصورة النمطية لمقاتلي الجبال الأكراد بوصفهم المقاتلين "الذين لا يهابون الموت"، المتمركزين في الجبال، متنقلين بين دروبها الوعرة وبنادقهم على أكتافهم، وفقا لما ينقله مراسل الوكالة الفرنسية. إلا أن الهجمات الشرسة التي شنها عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف في العراق منذ التاسع من حزيران (يونيو)، وسيطرتهم على مناطق واسعة واقترابهم من إقليم كردستان، دفعت جيلا جديدا من الشباب الأكراد إلى الالتحاق بالقتال وارتداء "الكاكي"، والتحول إلى مقاتلين تجمع صورتهم بين الحداثة والمدنية ووسائل التكنولوجيا الحديثة. #3# ####مقاتلو «الآيفون» أمضى العديد من هؤلاء مرحلة شبابهم في مدن إقليم كردستان الذي يشهد منذ أعوام طفرة اقتصادية ومعدل نمو يفوق 10 في المائة سنويا. ويتقن هؤلاء "لغة" التواصل الاجتماعي، عبر موقع "فيسبوك" أو تطبيقي "واتساب" و"فايبر". وعلى الرغم من أنهم لم يختبروا الحرب سوى في ألعاب الفيديو، إلا أن العديد منهم تعلموا الرماية ببنادق كلاشينكوف تملكها عائلاتهم. وعند عودتهم من الجبهات في شمال العراق إلى مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان (320 كلم شمال بغداد)، يستبدل هؤلاء زيهم العسكري بملابس مدنية، محتفظين ببندقية حربية في سياراتهم لدى خروجهم ليلا. وعند العودة إلى الجبهة، يضع المقاتلون الشباب هواتفهم الذكية داخل ستراتهم الواقية من الرصاص. يقول الجنرال سروان بارزاني، أحد ضباط البشمركة، "هذه هي العولمة، هذا عالم جديد وعلينا التكيف معه". ويضيف أن "لدى الشباب الآن كل شيء، تكنولوجيا وهواتف ذكية وتطبيقات"، قبل أن يضيف ضاحكا: "بالأمس رأيت أحدهم يحمل هاتف "آي فون 6" على خط الجبهة". وتتنشر على خطوط التماس بين القوات الكردية والإسلاميين المتطرفين، والممتدة لنحو ألف كيلومتر، أجيال مختلفة من مقاتلي البشمركة، بعضهم مخضرم يرتدي الملابس الكردية التقليدية، وآخرون من الجيل الشاب يضعون قبعات ونظارات شمسية ويحملون هواتف ذكية، وغالبا ما يسألون زائريهم "هل لديكم حساب على موقع فيسبوك؟". ###شباب مخضرمون ويرى كثيرون أن المقاتلين المخضرمين هم أكثر شراسة من الشبان. ويقول أحد عناصر البشمركة الشبان محمد (19 عاما) المتواجد قرب منطقة جوير التي يسيطر عليها عناصر "الدولة الإسلامية" منذ منتصف آب (أغسطس) الماضي، إن "القدامى أكثر قوة منا". ويتابع "رغم أنهم كبار في السن، إلا أنهم مقاومون أقوياء ولديهم تكتيكات لسنا على دراية بها". ويقر رشيد ياسين موزوري، وهو مقاتل متمرس يبلغ من العمر 63 عاما أمضى نحو خمسين منها في صفوف البشمركة، بأنه "حتى لو دربناهم وقدمنا لهم معلومات كثيرة، الشباب دائما في حاجة إلى مقاتلين مخضرمين إلى جانبهم". يضيف "الحياة مختلفة الآن، فالشباب لديهم كل شيء، فيما لم يكن لدينا شيء (...) عندما كنا في سنهم، كانوا يعطوننا قطعة واحدة من الخبز عليها أن تكفينا لأسبوع كامل. حاليا عندما يذهب الشباب إلى الجبهة، يجب أن تقدم لهم وجبات كاملة". ويقول مقاتل مخضرم آخر، حتى الحرب تغيرت. ويقول خالد (74 عاما) "في الماضي، كنا نقاتل في الجبال، الآن المعارك تدور في السهول والأراضي المنبسطة، وهذا أصعب، فالعدو يواجهك، ولا تستطيع الاختباء". ويضيف "في وقتنا، كنا نقاتل الجيش العراقي بأسلحة متكافئة"، متابعا "الحال ليس كما هو الآن ضد تنظيم الدولة الذي استولى خلال هجومه في الأشهر الأخيرة، على عدد كبير من المعدات العسكرية التي قدمتها واشنطن إلى الجيش العراقي". ###امتيازات الحياة وإضافة إلى المسؤولية وشرف الدفاع عن الأرض، يبحث الشبان المنضمون إلى البشمركة عن امتيازات اجتماعية ونوع من الاحترام والتقدير في صفوف المجتمع الكردي. ويقول أحد المقاتلين الشباب بسرور "أوقفتني عناصر من الشرطة ذات مرة بسبب مخالفة قمت بها لدى قيادتي السيارة، وعندما أطلعوا على أوراقي العسكرية التي تظهر انتسابي للبشمركة، تركوني أذهب". ورغم اختلاف نمط الحياة التي يعيشها المقاتلون الشباب عن أقرانهم المخضرمين، يرى رشيد أنه "حتى وإن كان هؤلاء الشباب يعيشون حياة رغيدة، إلا أنهم شجعان". ويقدم خالد نصيحة واحدة إلى الشبان الذين ينضمون إلى صفوف المقاتلين "دافعوا باستمرار عن أرضنا وشعبنا.. لا تتوقفوا عن القتال إلى أن تصبح أيديكم حمراء مغطاة بدم الأعداء".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم