Author

نظام المنافسة .. القضية مكافحة الاحتكار

|
عندما صدر نظام حماية المنافسة استبشر جميع الاقتصاديين خيرا، فلقد حققت المملكة خطوة مهمة، وإن تأخرت في تنظيم الاقتصاد وضمان الحرية الاقتصادية. وللحقيقة، فإن نظام المنافسة هو الوجه الآخر لنظام مكافحة الاحتكار، هذه هي القضية الأساسية، فالهدف من نظام حماية المنافسة، هو أن نضمن عدم وجود ممارسات احتكارية تمكن المحتكرين من تحقيق أرباح من خلال ذلك، كما تهدف إجراءات مكافحة الاحتكار إلى تحليل الأسواق لاكتشاف هياكلها، وأن ليس هناك اتجاهات لإيجاد كيانات احتكارية، أو أن هناك اتفاقيات احتكارية بين المسيطرين على السوق، وأن أي لقاء يتم بين هؤلاء المسيطرين لا ينتهي باتفاق على رفع الأسعار. ولقد حاربت جميع الأمم منذ الأزل قضية الاحتكار واعتبرت المحتكر جشعا ويجب محاربته وسنّت النظم الحديثة عديدا من القرارات التي تهدف إلى محاربته. وفي هذا الصدد، فإن مجلس المنافسة السعودي الراعي الرسمي لتطبيق نظام حماسة المنافسة يعمل باجتهاد واضح، فقد أعلن أن إجمالي غرامات مخالفة نظام المنافسة في المملكة بلغ 357 مليون ريـال، فرضت على 56 منشأة تمت إدانتها من إجمالي 101 منشأة مدعى عليها، كما أن هناك 32 قضية تم الرفع بها وإحالتها إلى لجنة الفصل في المجلس. وهذا إعلان مثير للجدل فعلا، فنحن مع الحزم في تنفيذ نظام المنافسة، ولكن المسألة ليست مجرد جباية فقط، بمعنى آخر ليس الهدف من مجلس المنافسة هو تعظيم إيراداته من خلال مشاركة التجار في أرباح الاحتكار، هذا فخ استراتيجي يجب إلا ينجر إليه المجلس تحت أي ذريعة. ولعل هذا هو الفرق الأساسي الممكن فهمه بين مكافحة الاحتكار وحماية المنافسة، فالأساس ليس تحقيق الإيرادات من خلال عقوبات الاحتكار ورفع الدعاوى التجارية التي يكون فيها المجلس هو الخصم والحكم، بل الأساس هو اكتشاف الأساليب الاقتصادية القائمة التي تحقق أرباحا احتكارية، ومن ثم تفتيت تلك الأسباب وتعزيز المنافسة في الأسواق التي ظهرت فيها مظاهر احتكارية، ونحن نشدد هنا على الأساليب الاقتصادية، ذلك أن مجرد رفع الدعاوى فرض الغرامات لا يغير في هيكل السوق بشيء، وستظل الشركة محتكرة اليوم وغدا وبعد غد طالما لم يتم تنفيذ إجراءات اقتصادية تهدف أصلا إلى خلخلة هيكل السوق. ليس بالضرورة أن يتحقق من وراء ذلك غرامات، بل يجب أن تتم هذه الإجراءات الاقتصادية حتى لو لم يكن هناك فعل احتكاري نتج عنه ربح مادي، لكن السوق في جوهرها محتكرة فعلا، فلا بد من العمل على إنهاء الاحتكار بأي وسيلة. ويبدو أن الدكتور محمد القاسم الأمين العام لمجلس المنافسة، يشعر بهذا التحول الخطير في أعمال المجلس من حماية المنافسة إلى مؤسسة تهدف إلى تقاسم الربح الاحتكاري مع الشركات المحتكرة وذلك في حديثه خلال الندوة التي أقيمت في المقر الرئيس لغرفة القصيم بمدينة بريدة، حيث أشار إلى أن المجلس ليس جهة جباية تهدف إلى الربح، وذلك في تعليقه على قرار رفع الحد الأقصى للغرامات إلى عشرة ملايين ريـال.
إنشرها