Author

زيارة نزلاء «الشؤون الاجتماعية» وآثارها النفسية

|
أذكر أن تغريدة مريض مصاب بالشلل هزت مشاعر السعوديين حيث احتشد بعد التغريدة بساعات قليلة الزوار في غرفته في المستشفى وقام المغردون بتأسيس هاشتاق " # زيارة _ إبراهيم"، نشروا من خلاله الدعوات إلى زيارة ذلك المريض بصورة مستمرة، وعبروا عن إعجابهم بهذا التجاوب السريع من قبل السعوديين بزيارته حتى أن إدارة مستشفى الملك خالد الجامعي في الرياض اضطرت إلى وضع رجال أمن أمام الغرفة لتنظيم الدخول إليه بعد ازدحام الزوار. صديق إبراهيم الذي يدير حسابه على "تويتر" لأنه لا يستطيع إدارة حسابه لكونه مصابا بالشلل نشر التغريدة "أنا إبراهيم، عمري 24، مشلول بشكل كامل وأرقد في مستشفى الملك خالد الجامعي جناح 21 غرفة 3 أسرة 3 أحتاج إلى زراعة خلايا جذعيَّة في ألمانيا وعلاج طبيعي"، وقال في التغريدة أيضا إن أسرته قاطعت زيارته ثم نشر صديق إبراهيم بعد ذلك صورا تظهر اكتظاظ الزوار في الممرات وكان منهم علماء دين ومحتسبون ورجال أمن وسعوديون من مختلف الاختصاصات ومنهم أيضا الممثل المشهور فايز المالكي. هذه القصة تؤكد أن المريض الذي لا تزوره أسرته يعاني مشاكل نفسية هائلة تنعكس على حالته الصحية بكل تأكيد كما تؤكد أن الشعب السعودي شعب مبادر ويستجيب للحالات الإنسانية ويساهم بشكل كبير في التخفيف من معاناتها واستجابته تكون سريعة ومكثفة أيضا. أمثال إبراهيم كثيرون ممن اضطرتهم الظروف إلى أن يكونوا من نزلاء مراكز الرعاية التابعة للشؤون الاجتماعية في كافة مناطق المملكة ومعظم هؤلاء يعانون العزلة الاجتماعية، حيث قاطعتهم أسرهم أو أن بعض أفرادها يزورونهم بشكل نادر وهم يعانون نفسيا بشكل كبير من ذلك، حيث تساوى لديهم الليل والنهار وتساوت أمامهم الأيام والشهور والسنين فلا أهداف يأملون تحقيقها ولا زوار يشعرونهم بالدفء الاجتماعي فهم ينتظرون زياراتهم، وهذا يتطلب بكل تأكيد جهدا اجتماعيا للحد من معاناتهم النفسية والاجتماعية في إطار التكافل الاجتماعي الذي يحثنا عليه ديننا الإسلامي ويجزل لفاعله الأجر والثواب. إحداهن انتبهت لهذه الفئة وبادرت بالتعاون مع جيرانها وصديقاتها وزميلاتها بالاتصال على إحدى المشرفات على أحد مراكز الرعاية النسائية وطلبن الزيارة والتعاون مع القائمات على المركز لتخفيف معاناة النزيلات، وكانت المفاجأة أن رحبت المشرفة على المركز بل حثت المتصلة على ذلك موضحة لها أن ذلك سيكون له أثر كبير في نفسياتهن وأنهن بحاجة إلى التواصل الاجتماعي وبرامج ترفيهية بحضور آخرين من غير موظفات المركز، وتمت الزيارة مع نشاط ترفيهي وتوزيع هدايا وجوائز واستمتع الحضور من زائرات ونزيلات وشعر الجميع بالراحة النفسية وكانت المفاجأة للعاملات في المركز، حيث اتضح هدوء النزيلات وراحتهن النفسية وتحسن مؤشراتهن الحيوية. تقول المرأة المبادرة بالزيارة إن هذه الزيارة وما حدث أثناءها من شعور إنساني مكثف نتيجة الفرحة التي غمرت النزيلات وتفاعلهن مع الزائرات وحثهن على تكرار الزيارة دعتها لتنظيم زيارة أخرى بالتعاون مع صديقاتها وجاراتها وزميلاتها وبناتها وصديقات وزميلات بناتها مع التوسيع بتوفير هدايا وجوائز للعاملات اللاتي يقمن برعاية النزيلات بجد وأمانة وهذا ما كان، وكانت النتائج محفزة أيضا حيث شعر الجميع بالراحة بمن في ذلك العاملات اللواتي أصبحن يتساءلن عن سبب زيارة النساء للنزيلات رغم أنهن لا يقربن لهن لإظهار سماحة الإسلام ودعوته للتراحم والتكافل. بكل تأكيد هذه المرأة المبادرة لا تستطيع زيارة مركز واحد بشكل دائم فكيف بأكثر من مركز رغم أنها تخبر صديقاتها أنها تود أن تقوم بذلك بشكل مستمر خصوصا أن النزيلات في كل زيارة يقمن بحثها ويطلبن منها عدم الانقطاع والاستمرار في ذلك إلا أن الظروف لا تمكنها من ذلك رغم أن الكثير من فاعلات وفاعلي الخير عندما علموا بتلك الزيارات وأثرها بادروا بالمساعدة، حيث أبدوا استعدادهم للدعم المالي أو المعنوي أو توفير أماكن لدعوتهن خارج مركز التأهيل وتوفير الجوائز ولوازم استقبالهن والترفيه عنهن. هذه المرأة تقول لماذا لا يتحول هذا الجهد التكافلي المهم والحيوي لهذه الفئة من الصفة الفردية إلى الصفة الجماعية من قبل مجموعات تطوعية أو إلى المؤسسية من خلال جمعيات متخصصة في دعمهم اجتماعيا ونفسيا خصوصا أن هذه الفئة تعاني أسبابا لا حيلة لها بها جعلتها من نزلاء مراكز الشؤون الاجتماعية التي توفر وبسخاء جميع متطلبات الحياة من مكان نظيف وطعام لائق وخدمات راقية إلا أنها لم تستطع أن تقدم لهم الحياة الاجتماعية التي تتطلب تعاونا كبيرا من أصحاب القلوب الرحيمة والنفوس السخية من أفراد المجتمع. وأقول إن ما قام به أفراد المجتمع السعودي مع إبراهيم الذي يعاني العزلة الاجتماعية نتيجة تغريدة واحدة يمكن أن يحدث مع جميع نزلاء الشؤون الاجتماعية الذين يعانون المشكلة نفسها. لو أن جمعية خيرية أو مجموعة تطوعية أو أكثر علقت الجرس وبادرت بتنفيذ برامج تواصل اجتماعي مع نزلاء مراكز الشؤون بهدف الرفع من معنوياتهم وغرس الأمل في نفوسهم والتخفيف من معاناتهم. ولعل ما ننعم به من تواصل اجتماعي كبير أثناء عيد الأضحى المبارك المقبل يكون حافزا لنا لإطلاق مثل هذه المبادرات في أكثر من منطقة، ولعل وزارة الشؤون تشجع على ذلك من خلال الوسائل الإعلامية التقليدية والاجتماعية الحديثة. ختاما كلي ثقة بأن مجموعة تطوعية أو جمعية خيرية أو مجموعة من أفراد المجتمع الميسورين والقادرين من أصحاب القلوب الرحيمة سيبادرون في إعداد وتنفيذ برامج لزيارة نزلاء «الشؤون» والترفيه عنهم وتعزيز حالتهم النفسية بالتواصل الاجتماعي الذي يفتقدونه، والأمل أيضا أن ذويهم يخشون الله فيهم ويستمرون في زيارتهم وإن كان في ذلك معاناة، فالأجر والثواب أكبر من المعاناة.
إنشرها