Author

أسواق النفط العالمية إلى أي اتجاه تذهب؟

|
لقد انخفضت أسعار خام بحر الشمال ــــ برنت أكثر من 20 دولارا للبرميل من الذروة التي وصلتها في حزيران (يونيو) الماضي إلى أدنى مستوى لها دون 97 دولارا للبرميل في الأسابيع الأخيرة، وهو أدنى مستوى لها منذ منتصف عام 2012. إن انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة ليس بأي حال من الأحوال مؤكدا. حيث انخفض خام برنت إلى 88 دولارا للبرميل في منتصف عام 2012، ومن ثم ارتفع بسرعة فوق 100 دولار للبرميل. في الأسبوع الماضي خفضت مؤسسة موديز لخدمات المستثمرين من افتراضاتها للأسعار التي تستخدمها لأغراض التصنيف على خام برنت إلى 90 دولارا للبرميل خلال عام 2015، هذا يمثل انخفاضا قدره خمسة دولارات عن تقديراتها السابقة لعام 2015. وخفضت موديز أيضا من افتراضاتها لخام غرب تكساس الوسيط إلى 85 دولارا للبرميل من 90 دولارا للبرميل خلال عام 2015. في حين أبقت موديز افتراضاتها السابقة من دون تغيير لعام 2016 وما بعده عند 90 دولارا للبرميل لخام برنت و85 دولارا للبرميل لخام غرب تكساس الوسيط. من الصعب جدا إعطاء توقع لأسعار النفط في المستقبل، لأنه مثل أي سلعة أخرى أسعار النفط الخام لا تحدد فقط بميزان العرض والطلب، ولكن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في الأسعار لا يمكن التكهن بها. بدءا بديناميكية العرض والطلب، قامت العديد من المنظمات والوكالات الدولية، مثل أوبك، وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة، في الأشهر القليلة الماضية بخفض توقعاتها السابقة بخصوص نمو الطلب العالمي على النفط ليس فقط لعام 2015، ولكن أيضا لعام 2016، وبالتالي سيؤدي هذا إلى انخفاض في الطلب على النفط الخام. البيانات الاقتصادية لكبار المستهلكين مثل الولايات المتحدة، الصين وألمانيا تؤكد التباطؤ الذي قد يستمر أطول من المتوقع. جميع السلع التي تتداول عالميا بالدولار الأمريكي مثل النفط الخام تكون حساسة جدا لقيمة الدولار في أسواق العملات العالمية. حيث إن ارتفاع الدولار من شأنه جعل السلع باهظة الثمن، وبالتالي يؤدي إلى افتراض انخفاض الطلب، ما يضغط على الأسعار. منذ تراجع الحوافز التي كان يقدمها البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وإشارة البنك الفيدرالي إلى تخفيف الاتجاه المتشدد تجاه أسعار الفائدة قرب صفر في المائة السائدة حاليا في الولايات المتحدة، ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي إلى أكبر زيادة سنوية له منذ عام 2008. حسب أحدث تقديرات لبلومبرج Bloomberg، هناك احتمال 60 في المائة بأن يقوم الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع معدلات الفائدة المستهدفة إلى 0.5 في المائة بحلول تموز (يوليو) عام 2015، ارتفاعا من احتمال 49 في المائة في الشهر السابق. على جانب العرض، ثورة الصخر الزيتي في أكبر مستهلك للنفط في العالم، الولايات المتحدة، أدى إلى جعلها متصدرة قائمة منتجي النفط الأسرع نموا في الإمدادات في العالم. إن واردات النفط الأمريكية تتراجع بصورة أسرع بكثير من أي توقع سابق. حيث تنتج الولايات المتحدة حاليا المزيد من النفط الخام الذي وصل أخيرا قرب 8.5 مليون برميل في اليوم، هذا بدوره أدى إلى انخفاض واردات النفط الخام ما دون سبعة ملايين برميل في اليوم وارتفاع صادرات المنتجات النفطية إلى 3.7 مليون برميل في اليوم. الولايات المتحدة لا تزال مستمرة في استيراد النفط الخام لأن نوع النفط المستخرج من الصخر الزيتي هو نفط خفيف إلى حد كبير، حيث لا يمكن تكريره محليا إلى منتجات نفطية كالبنزين وأنواع الوقود الأخرى لأن معظم المصافي الأمريكية مصممة لمعالجة النفط الخام الثقيل. في اجتماع أوبك المقبل المقرر يوم 27 تشرين الثاني (نوفمبر)، يتوقع معظم المحللين أن تتجه المنظمة إلى خفض سقف إنتاجها الحالي في عام 2015 إلى ما دون 30 مليون برميل في اليوم. لكن في الوقت الحاضر، تشير معظم تصريحات أعضاء منظمة أوبك إلى أنه من السابق لأوانه اتخاذ إجراء بهذا الخصوص وأنهم يتوقعون أن الطلب على النفط في فصل الشتاء المقبل من شأنه أن يدعم أسعار النفط. لأخذ فكرة على ما هو مستوى الأسعار المريح لأعضاء منظمة أوبك، وفقا لصندوق النقد الدولي، تحتاج السعودية إلى أسعار نفط بحدود 90 دولارا للبرميل، الإمارات 73 دولارا للبرميل، الكويت 53 دولارا وقطر 77 دولارا في عام 2015. ومن المثير للاهتمام، أن الأزمة الحالية في العراق، لم تؤثر كثيرا في الأسعار وثانيا أعطت بعض النفوذ والقوة التفاوضية لإيران مع القوى الغربية في مفاوضاتها بشأن الملف النووي والعقوبات المفروضة عليها، حيث إن القوى الغربية قد طلبت المساعدة من إيران لكبح أنشطة الإرهاب. فإنه عندئذ سوف لا يكون من المستغرب أن نرى النفط الإيراني يتدفق بصورة أكبر مرة أخرى إلى الأسواق العالمية الذي مقيد حاليا بسبب العقوبات الدولية. إيران تصدر حاليا نحو 1.2 مليون برميل في اليوم، في حين أن الطاقة الإنتاجية الإجمالية لها تقدر بنحو أربعة ملايين برميل في اليوم أو أقل قليلا. كما أن إمدادات النفط الليبي التي كانت خارج الأسواق حتى وقت قريب، تعود هي أيضا مرة أخرى إلى الأسواق العالمية. حيث تشير الأرقام الحالية إلى أن ليبيا تصدر الآن نحو 700 ألف برميل في اليوم من النفط الخام. في ضوء المعطيات أعلاه، فإن التوقعات الهبوطية على النفط الخام باقية هنا لفترة أطول بكثير مما كان متوقعا، ما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة على جانبي العرض والطلب، كانقطاعات كبيرة في الإمدادات نتيجة حروب أو كوارث طبيعية أو قفزة كبيرة في نمو الطلب على النفط. الأخير مستبعد في الوقت الحاضر.
إنشرها