Author

صديقي ووزير العمل

|
صديقي سعود تاجر جملة متفائل دائما، نما عمله التجاري خلال السنوات الثلاث الماضية بشكل جيد، وكان سعود يعمل في إحدى الشركات الخاصة قبل أن يستقيل ويتفرغ لعمله التجاري في تجارة المواد الاستهلاكية بالجملة. أعلن سعود قبل أيام رغبته في توظيف محاسب أو محاسبة سعودية، وانهالت السير الذاتية على إيميل سعود بشكل كبير، لكن من تتطابق عليهم شروط سعود البسيطة قليل جدا، المهم أن سعود أجرى عددا من المقابلات مع بعض المؤهلين والمؤهلات لشغل هذه الوظيفة، واختار منهم خمسة، فتاتين وثلاثة شبان، وعلى الرغم من أن دوام مؤسسة سعود خمسة أيام في الأسبوع، ودوامه يمتد من التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء في هذه الأيام الخمسة براتب قدره 6,500 ريال، إضافة للتأمين الطبي ــــ ليكون إجمالي تكلفة الموظف الشهرية 7,780 ريالا. على الرغم من هذا، لم يوافق الشباب الثلاثة على الراتب، بل قال له أحدهم إنه يعمل في إحدى الشركات بوظيفة سعودة ــــ على حد تعبيره ــــ براتب 4,500 ريال. وبشكل عادي اتجه سعود لعرض العرض نفسه على أفضل الفتاتين، فوافقت، فذهب سعود كأي مواطن صالح لوزارة العمل ليسأل عن شروط توظيف النساء، فقالوا له يجب أن يكون لها مكتب ودورة مياه منفصلتين تماما عن بقية الشركة، وكان هذا الشرط سيكلف سعود 70 ألف ريال لتحقيقه، وهنا توقف سعود عن رواية قصته، فسألته: فماذا فعلت؟ أجاب سعود أنه قام بتوظيف أحدهم براتب ثلاثة آلاف ليحقق نسبة السعودة المطلوبة، وقام باستقدام محاسب من إحدى الدول الآسيوية براتب ألفي ريال، لتكون التكلفة الشهرية التي يتحملها 5,600 ريال تقريبا، وهنا ــــ والكلام لسعود ــــ يكون قد حقق هدف وزارة العمل من سعودة الكم وليس الكيف! قلت لسعود: وما هو الكم؟ وما هو الكيف في نظرك؟ فأجاب سعود أن حجم مبيعاته السنوية خلال عام 2013م بلغ ستة ملايين ريال، وبلغ صافي ربحه أقل من 400 ألف بقليل، أما إذا أضفت تكلفة الموظف السعودي فإن صافي ربحي سينخفض 23 في المائة تقريبا، أما مع توظيف موظف سعودة وهمية واستقدام موظف وافد فإن صافي ربحي سينخفض 17 في المائة فقط، ولكن المشكلة ليست هنا! فقلت له وأين المشكلة؟ قال سعود أن المشكلة تكمن في عدم قناعة الموظف السعودي بوظيفة محاسب في مستودع بيع بالجملة، والتي أتفهمها جيدا، وأردف سعود شارحا الأمر بقوله إن الموظف السعودي يسعى للعمل بشركات كبيرة، لأن هذا يوفر له أمانا وميزات أكثر، وهذا أمر منطقي جدا، فلو وظفت شابا سعوديا بهذا الراتب وأتاه عرض من إحدى الشركات الكبيرة بأقل من هذا الراتب، فإنه سيستقيل ويذهب للوظيفة الأخرى لأنها توفر له أمانا واستقرارا أكثر، لكن وزارة العمل تريد أن ترمي بالسعوديين في كل القطاعات دون تمييز! فقلت لسعود وما الحل الذي يجعل وزارة العمل تهتم بالكيف وليس بالكم؟ قال إنه يجب على الوزارة إعادة هيكلة نطاقات السعودة لتكون بناء على المبيعات السنوية لكل شركة أو منشأة، فتاجر الجملة الذي يبيع بـ 20 مليونا سنويا يكون متوسط ربحه مليون ريال، وسيكون قادرا على توظيف سعودي براتب لا يقل عن عشرة آلاف ريال، لينقص صافي ربحه 13 في المائة كحد أقصى. أعتقد أن مشكلة سعود هي مشكلة الكثير غيره من أصحاب المنشآت الصغيرة التي تعاني تشريعات وزارة العمل والتي تهتم بعدد الذين وظفتهم من خلال برنامج نطاقات، ولا تهتم بأوضاع هؤلاء بعد التوظيف، وفي الوقت نفسه، تتعامل وزارة العمل مع القطاع - كقطاع التجزئة مثلا - بالمعايير نفسها، بغض النظر عن حجم المبيعات أو حجم الأرباح، وهذا ينافي أبسط المعادلات السوقية والاقتصادية.
إنشرها