Author

من أين أتت «داعش»؟ .. وماذا يجري في اليمن؟

|
في هذه المقالة، والتي تليها، لن أحاول الإجابة، بل أقرر جازما بأنني سأجيب، بشرح واف، وبالأدلة والوثائق والمسوغات، عن هذين السؤالين اللذين يشغلان تفكير كثير من الناس. فهذان السؤالان هما حديث المجالس الآن، بشقيهما، المجالس الملموسة الحقيقية في الجامعات، والمقاهي، ومكاتب العمل، والمناسبات، والتجمعات العائلية، أو المجالس الافتراضية عبر وسائط التواصل الاجتماعي: "من أين أتت داعش؟ .. وماذا يجري في اليمن؟" وهذا طبيعي، نتيجة للغموض المكتنف لهاتين الحالتين لدى الكثير منا، بسبب عدم تقديم الإعلام إجابة وافية، تجلي الغموض حول "ماهية داعش الإرهابية، وماذا يحدث في اليمن؟" وهو ما يستغله مباشرة دعاة تنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي، كعادتهم، فهم يعلمون أن هذا هو الوقت الأنسب لبث دعايتهم الخبيثة، ونشر سمومهم القذرة، بأساليبهم الشيطانية، لتضليل الرأي العام، وإعطائه معلومات مغلوطة، وهو ما يقومون به عادة في مثل هذه الحالات، كونهم وكطابور خامس، يسعون، بل مطلوب منهم، تحقيق أهداف العدو، المتمثلة في "نزع الثقة عن العلماء الراسخين، ووسائل الإعلام الرصينة، والمحللين السياسيين والخبراء"، وصولا إلى جعل الرأي العام مختطفا من قبلهم، وليستمع فقط لترهاتهم وتضليلاتهم، التي تريد في المحصلة "انقسام المجتمع على نفسه، وشق صفوفه، وتفتيت الأمة من الداخل، وخلق حالة من عدم الثقة بين المواطن والمواطن، وبين المواطن والمسؤول"، إلا أن الوقائع والأحداث أثبتت ــــ حتى الآن على الأقل ــــ وعي الرأي العام السعودي، وإن كنت أرفض الركون لهذا الرأي دون العمل، وبقوة، من خلال العلماء الأجلاء، والدعاة الخيرين، والإعلاميين، والخبراء، والمحللين السياسيين، كل حسب اختصاصه، على دعم هذا الوعي الجماهيري، وإلا ضعف، واضمحل! وعودا على بدء، فمن أين أتت "داعش"؟ أكرر هنا دائما وأبدا، بأننا، كشباب، وكمجتمع، أضحينا أكثر وعيا، وإدراكا، وكل ما نحتاج إليه فقط هو مجرد "معلومات خام دقيقة"، وعندها سنستطيع أن نكون رؤيتنا للأحداث، وتفسيرنا لها، التفسير الصحيح، وهو ما سأقوم به في هذه المقالة والتي تليها، أي أني عزيزي القارئ الكريم، سأتشرف بأن أضع الحقائق أمامك، وأرتب لك المعلومات، فقط، لتقوم أنت بالتحليل والاستنتاج، المبني على ما حباك الله به من ملكة "التفكير".. فإليك هذه الحقائق والوقائع المثبتة بالدليل القاطع: الحقيقة الأولى: داعش انشقت عن القاعدة، أي أنها كانت تدين بالولاء لأيمن الظواهري، فانشقت عنه، وادعت في بيانها الأول أن سبب هذا الانشقاق هو ما رأته من "تنسيق بين الظواهري وإيران"، وأنها تستغرب "التوجيهات المستمرة من قيادة التنظيم بعدم توجيه ضرباتهم إلى الداخل الإيراني" ثم أعلنت فيما بعد قيام "دولة الخلافة" وبايعت "البغدادي" خليفة. ونستفيد من هذه الحقيقة ثلاث فوائد محققة: الأولى أن الفكر، والأيديولوجيا، والعقيدة التي تتبعها "داعش" هي ذاتها التي تتبعها "القاعدة"، إلا أن الخلاف في التكتيكات على الأرض. والثانية أن الظواهري قائد تنظيم القاعدة هو على تنسيق مع إيران، ويأمر أتباعه بعدم القيام بأي عمليات في عمقها. أما الثالثة فهي أن هدف "داعش" المعلن، هو ذاته هدف القاعدة "إنشاء دولة الخلافة" بزعمهم. الحقيقة الثانية: أن تنظيم القاعدة نشأ في أفغانستان، نهاية الثمانينيات الميلادية، حين وضعت حرب الأفغان - لتحرير أراضيهم من الاحتلال السوفياتي ــــ أوزارها، وقد تأسس هذا التنظيم على يد الثلاثي "الدكتور عبد الله عزام، المليونير أسامة بن لادن، الدكتور أيمن الظواهري" وأن هؤلاء الثلاثة أعضاء فاعلون في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، باعترافهم، فالأول يعد علما من أعلام التنظيم والثاني كان تلميذا في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، التي درس فيها الأول وبث سمومه، حيث تشرب ابن لادن فكر هذه الجماعة، إلى أن أصبح عنصرا رسميا في التنظيم فرع السعودية، أما الثالث فهو من أعضاء التنظيم منذ كان طفلا، حيث ألقي القبض عليه في مصر وهو في 15 من عمره بجرم الانضمام لتنظيم الإخوان المسلمين، ثم بعد أن أطلق سراحه، عاد لتنظيمه، وأنشأ ذراعا عسكرية له، بعد أن ضعفت وتفككت الذراع العسكرية الأولى والمسماة "النظام الخاص للجماعة"، فأنشأ الظواهري ومن معه ما سميت بـ "جماعة الجهاد الإسلامي"، التي اتخذت من كتب الإخواني "سيد قطب" منهجا شرعيا لها، تلقنه لعناصرها حتى يتشربوه، وعلى رأسها، كتابي"معالم في الطريق" و"في ظلال القرآن". ونستفيد من هذه الحقيقة فائدتين، إحداهما أن تنظيم القاعدة نشأ بعيد انتهاء حرب "المجاهدين" الأفغان للسوفيات في سبيل تحرير أراضيهم، وتقرير مصيرهم، أي أن التنظيم نشأ فعليا بعد تحرير كابل، وتوقف الدعم الأمريكي والسعودي والباكستاني للمجاهدين الأفغان، أو المقاومة الأفغانية، بحكم انتهاء حالة المقاومة، وطرد المحتل، التي تعد حقا مشروعا تقره كل الأحكام والأعراف الدولية، وبالتالي علينا التفريق بوضوح بين دعم المقاومين الأفغان لأجل تحرير بلدهم، أو ما يعرف بـ "المجاهدين" ونرجو من الله أنهم كذلك، فمن قاتل لتكون راية الله هي العليا، دفاعا عن دينه وعرضه ونفسه ووطنه وماله فهو مجاهد ــــ بإذن الله ـــ وبين تنظيم "القاعدة" الإرهابي الذي نشأ بحسب ما هو ثابت بعد تحرير أفغانستان من الاحتلال السوفياتي. والأخرى أن من أسس تنظيم القاعدة الإرهابي، هم ثلاثة عناصر نشطة في تنظيم الإخوان المسلمين الدولي، وبعبارة أوضح، فإن تنظيم الإخوان المسلمين هو من أنشأ هذا التنظيم. الحقيقة الثالثة: أن الإخواني النشط، خريج الأزهر، أردني الجنسية فلسطيني الأصل "عبد الله عزام"، الأب الروحي للقاعدة، والمؤسس الأول للبناتها، كان قد طلب التوجه إلى باكستان للتدريس في الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد، منتدبا من قبل رابطة العالم الإسلامي، بعد أن أنهى عقده من جامعة الملك عبد العزيز في جدة، حيث كان يعمل، وهو ما تم، ثم ما لبث أن توجه إلى بيشاور ليدرس في كلية (ولاحقا جامعة) الدعوة والجهاد، حيث أدار مكتب "رابطة العالم الإسلامي" ومكتب "الإخوان المسلمين" وكان مسؤولا عن إرسال "الدعاة والمعلمين"، كما أنشأ "مكتب خدمات المجاهدين"، إذ كان يهدف لأن يكون المستقبل، والمستقطب لـ "المجاهدين العرب"، بحكم عدم إتقانهم للغات المحلية، وبداعي ترتيب أمورهم، لكن الواقع أنه كان يقوم بشحنهم بجرعات فكرية لغسل الأدمغة يسميها بـ "الدروس العلمية"، التي من خلالها لقنهم ورسخ في أذهانهم - بحسب شهادات موثقة - أفكار الضالين "سيد قطب" و"أبو الأعلى المودودي" - والأخير يقال إنه عضو مؤسس في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وصاحب فكرة إنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - وكان من ضمن ما نادى به عزام هو أن "المجتمعات الإسلامية في جاهلية"، وأنه في طور إعلان" دولة الخلافة" وبناء عليه فقد أفتى بأن "الجهاد أضحى فرض عين". ولهذه الحقيقة فوائد، أبرزها الشبه الكبير بين "داعش" وإعلانها "دولة الخلافة" وأن اللحاق بركبها "فرض عين" وبين دعوى "عزام" قبل أكثر من 25 عاما، وهو ما يؤكد الفوائد المستخرجة من الحقيقة الأولى، من أن فكر "الدواعش" هو ذاته فكر "القاعدة" وهو ذاته فكر "الإخوان المسلمين".. وفي الأسبوع المقبل حقائق أخرى ، فإلى ذلكم الحين أستودعكم الله.
إنشرها