Author

«نعم.. نستطيع أكثر»

|
مباريات كرة القدم الحاسمة تُلعب على التفاصيل الصغيرة، ومن الممكن أن تتحول هفوة رجل بين الـ 22 المتنافسين على العشب الأخضر، إلى عنوان رئيس في المباراة يتصدر المشهد، ويلغي كل شيء ويهدم ما بناه العمل الجماعي طوال دقائق المباراة. .. لا يحتاج الأمر إلى أكثر من مدافع يتثاءب في المناطق المحرمة، وأمامه مهاجم نهاز، يستغل اللحظة بين فتح فكيه وإطباقهما، حتى يقلب المباراة رأسا على عقب. ولذلك يركز المدربون على الحضور الذهني في مثل هذه المواجهات، إلى درجة اختيار التمارين الاسترخائية قبيل هذه النزالات لتصفية ذهنية اللاعبين من الضوضاء الناتجة عن الترقب. قبل نهائي المونديال الأخير، بين ألمانيا والأرجنتين، ظهر الأسطورة الكونية مارادونا على شاشة التلفاز يتحدث، فقال: "الألمان يتقدمون علينا فنيا، حتى نهزمهم، نحتاج إلى تعويض الفوارق، بتقليل الأخطاء الفردية واستثمارها، ولا أقصد الأخطاء أمام مرمانا فقط، بل تلك التي تحدث أمام مرماهم". وهو بذلك يقصد أن على مواطنيه أن يستثمروا أنصاف الفرص لهز الشباك الألمانية، في إشارة إلى أن مثل هذه اللقاءات سيكون فيها أخطاء فردية تخرق العمل الجماعي. حدث ما توقعه دييجو وأخطأ مدافعو ألمانيا ثلاث مرات لم يستثمرها أبناء التانجو كما أوصى مارادونا، في مقابل خطأ فردي على الجهة الأخرى هز الشباك، وبه قضي الأمر. قضي الأمر بتفاصيل صغيرة. .. زاجالو كبير المدربين في العالم بأسره، يعتقد أن المطلوب من الفائز في مباريات الحسم، هو إجبار منافسه على الوقوع في الأخطاء الفردية. سُئل العجوز الذي فاز بلقب المونديال لاعبا ومدربا: كيف يتم ذلك؟ فأجاب: "كرة القدم مثل الملاكمة، بعد ثلاث جولات سيتألم أحد الملاكمين من ضربة ما، على الآخر أن يوجه الضربات بدقة في نقطة الألم ذاتها". ولكن، كيف نعرف نقطة الألم؟ زاجالو ذاته يرد وهو يبتسم للصحافيين في المؤتمر الصحافي: "...إذا ماذا نفعل نحن المدربين على مقاعد البدلاء". إنها التفاصيل الصغيرة أيضا. أما الفرنسي العربي زين الدين زيدان، اللاعب العالمي والمدرب المتدرب حتى الآن، يشبه فريق كرة القدم، بفرقة موسيقية، ويفسر أكثر: "لو صعد عازف الساكسفون على النوتة في لحظة ما، سيفسد عمل بقية المجموعة". عازف واحد قد يهدر عمل متناغم يتشارك فيه أحيانا أكثر من 150 عازفا. التفاصيل الصغيرة تقتل. .. كرة القدم لعبة معقدة، سهلة، في اللحظة التي تشعر ببساطتها وبأن نتائجها متاحة في اليد، تطل سحائب سوداء، تشعرك بأنك لا تفهم شيئا، وتشعر بأن السماء كلها تمتد منها ألسنة ساخرة موجهة إليك. في مونديال 1982، طرد الطليان فريق السامبا بثلاثية لا تتكرر، لم يتوقعها أكثر الإيطاليين إيمانا بفريقه، يومها قال تيلي سانتانا: لا أعرف ماذا حدث، مباراة مثل كابوس المنام، يفزعك ثم يتلاشى وأنت بلا حراك، ولو أعيدت مليون مرة لن يفوزوا"، ربما هو على حق لو أعيدت لن يفوزوا ولكنها لن تعاد، ولو أعيدت لن تتكرر التفاصيل الصغيرة ذاتها. كارينيو بطل الثنائية في الموسم السعودي الماضي، خسر من الهلال وهو على بعد خطوة من اللقب، ورغم توقعه عثرة مسبقا في تلك الجولات، قلت له ممازحا: دانيال يبدو أنك لن تكون البطل، هذه خسارة تنثر التشاؤم؟ لم يعلق إلا بجملة قصيرة: "فعلنا كل شيء، لم يكن يومنا". قلت له: من يفعل كل شيء يفوز. رد قائلا: "لقاءات الحسم، ومباريات الديربي، تحسم بالتركيز الذهني العالي، والسيطرة النفسية باستخدام التفاصيل الصغيرة، خسرت بسبب تفاصيل صغيرة فقط، لا أكثر". قبل مواجهة اليوم بين العين والهلال، هلالنا يتقدم بثلاث خطوات تصعب المهمة على المضيف وتقربها لممثلنا. البنفسجي أطلق حملته الإعلامية والجماهيرية الذكية "نعم.. نستطيع"، نحن أيضا "استطعنا.. ونعم.. نستطيع أكثر"، وحتى يكون، على أزرق الرياض أن يعي تماما أن كرة القدم لعبة سهلة.. معقدة.. تهتم بالتفاصيل الصغيرة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها