Author

المضارب الحسود

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
يردد بعض المتعاملين في سوق الأسهم السعودية مقولة المضارب الحسود أو ذاك الذي لا يريد الخير للناس أو ذاك الذي تسبب في خسارته، وذلك عندما يكون سهمهم المفضل في حالة هبوط، ويرددون مقولات المضارب الشهم أو المضارب "الشقردي" عندما يكون السهم في حالة صعود. أما أكثر المتعاملين فيستخدمون الفاعل المجهول في قولهم "إنهم رفعوا المؤشر" أو أسقطوا هذا السهم أو ذاك، والافتراض هو أن هناك من يقوم بهذه الأفعال وأنه على سيطرة تامة بحركة المؤشر وحركة أي سهم من الأسهم. بل أحيانا تسمع أو تقرأ دعوات قاسية على مضارب السهم الفلاني بأن يرينا الله فيه عجائب قدرته وأن يسلط الله عليه من هو أقوى منه، وما إلى ذلك من الدعوات التي يطلقها من يرى أسهمه تتحرك في اتجاه معاكس لما يتمناه. هل بالفعل هناك من يتحكم بحركة أسهم الشركات وبحركة المؤشر ككل؟ هناك من يعتقد أن حركة جميع الأسهم خاضعة لسيطرة تامة من قبل مضاربين ذوي ملاءة مالية عالية ونافذين بشكل استثنائي، أحيانا مجهولي الهوية وأحياناً معروفين بأسمائهم الشخصية، وتجد أن هناك من يزعم أنه يعرف هؤلاء المضاربين وتوجهاتهم، فيقوم بإطلاع المتعاملين في المنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي على مخططاتهم وتحركاتهم القادمة. بل إنه وصل الإيمان عند البعض بأن هؤلاء المضاربين ليس لديهم فقط المقدرة على السيطرة التامة على جميع الأسهم، بل إنهم يقومون كذلك بالتنسيق فيما بينهم من خلال السوق ذاته. فتجد أنه عندما يغلق المؤشر عند رقم "مميز"، مثلا 10,101.01، يؤخذ ذلك على أنها إشارة خاصة لها دلالات معينة لدى المضاربين وأنها تعني وقت الخروج من السوق أو الدخول فيه أو شيء آخر! المضاربون موجودون في جميع الأسواق المالية، وهذه حقيقة لا خلاف عليها، بل إن وجودهم ضروري لرفع مستوى السيولة وتحريك السوق، لدرجة أن بعض الأسواق العالمية تقوم بالترخيص للمضاربين للعمل كصنّاع سوق رسميين يقومون بإدخال أوامر البيع والشراء في آن واحد طوال اليوم، ويلتزمون بضوابط وشروط معينة في ممارسة أعمالهم. في دراسة علمية مميزة قام بها الدكتور محمد السحيباني من قسم الاقتصاد في جامعة الإمام، تم تصنيف المتداولين إلى ثلاث فئات رئيسة: المتداول لمنفعة والمتداول لأجل الربح والمتداول "المسترسل"، وجاء تصنيف المضاربين تحت فئة المتداولين لأجل الربح، وذلك لاختلافهم عن فئة المتداول لمنفعة كالمستثمر والمتحوط والمقامر والهاوي والمتداول لمصلحة غيره، وكذلك لاختلافهم عن المتداول المسترسل، وهو الشخص الذي يتداول كثيرا دون معرفة جيدة ودون تحليل سليم. إذاً المضارب هو متداول من أجل الربح، يشتري ويبيع حسب معلومات ودراسات وتحليلات يسعى من خلالها إلى تعظيم أرباحه مع قبوله بدرجات متفاوتة من المخاطرة، ويندرج في هذا التعريف كذلك المتاجر بالأسهم، كصنّاع السوق. المضاربون موجودون في السوق السعودية، ولكن السؤال هو عن مدى صحة السلطة المطلقة التي يُعتقد بأنهم يتمتعون بها وكأنهم جميعاً على يد واحدة وأنهم يقومون بنشاطاتهم دون جهد أو عناء ودون مجازفة كبيرة. هل سبب ارتفاع أحد الأسهم في أحد الأيام يعود إلى رغبة مضارب السهم في "رفع" سعر السهم، وبالمثل هل هبوط سعر السهم يأتي بأمر من مضاربه؟ الحقيقة أن سوق الأسهم السعودية سوق كبيرة، تتجاوز تداولاتها اليومية في بعض الأيام عشرة مليارات ريال، يبلغ متوسط القيمة المتداولة اليومية للشركة الواحدة نحو 50 مليون ريال هذه الأيام، ما يعني أن على من يحاول توجيه سعر السهم لعدة أيام أن يخاطر بمبلغ كبير من المال كي يحرك السهم في اتجاه معين، وحتى إن تم ذلك فكيف له أن يضمن الربح؟ على سبيل المثال، ربما مبلغ 25 مليون ريال كاف لرفع بعض الأسهم بنسبة 15 أو 20 في المائة خلال أيام قليلة، ولكن ذلك يأتي على حساب مخاطرة كبيرة لمن يضخ مثل هذا المبلغ، والسبب أن الشراء يرفع سعر السهم والبيع يؤدي إلى نزوله. لو رفع مضارب سعر السهم من 20 ريالا إلى 25 ريالا، فلن يستطيع تحقيق أي ربح حتى يبيع ما لديه من أسهم، ولن يستطيع بيع هذه الكمية إلا بأسعار متناقصة. فقد يكون متوسط سعر الشراء في هذه المحاولة 23 ريالا، ومتوسط سعر البيع كذلك 23 ريالا، تزيد أو تنقص قليلا بشكل عشوائي لا يمكن التحكم فيه. أما إذا كان هدف المضارب إعطاء انطباع مضلل عن جاذبية السهم وأنه في مرحلة صعود مستمرة - أي على أمل أن يواصل السهم ارتفاعه بعد أن يتوقف المضارب عن الشراء - ليبدأ بعدها المضارب البيع في وقت لاحق بمتوسط سعر أعلى من سعر الشراء، فهذه تبقى مخاطرة كبيرة تعتمد بشكل مباشر على تجاوب المتداولين وما إذا كانوا سيواصلون الشراء بأسعار عالية. لذا استغرب شخصياً من إدانة من يقوم بمثل هذه الأعمال (على ما يبدو تطبيقاً لإحدى مواد لائحة سلوكيات السوق الغامضة) بحجة أنه يعطي انطباعاً مضللا لحركة الورقة المالية، على الرغم من اقترافه مخاطرة كبيرة في حال عدم تجاوب السوق معه. يبدو أن هذا الفهم مسيطر بشكل كبير على المشرعين في هيئة السوق المالية، حيث قيل أن السبب الرئيس لتقييد حركة اليوم الأول لتداول السهم الجديد بعد الاكتتاب، بجعلها لا تتجاوز 10 في المائة، يعود لعزم الهيئة القضاء على أي عمليات توجد انطباع مضلل بشأن حركة السهم. أي أن الهيئة تسعى إلى منع تكرار تلك الحالات التي ارتفع فيها السهم في اليوم الأول عدة أضعاف، فقام كثير من المتداولين بالشراء بأسعار عالية، وفي الأيام التالية هبط السهم بشكل كبير، ملحقاً خسائر كبيرة لمن اشترى في اليوم الأول. الحقيقة أنه لا يمكن خلق أي انطباع مضلل دون وجود متداولين "مسترسلين"، كما جاء وصفه في الدراسة المذكورة أعلاه، وأنه من الأسهل والأجدى بهيئة السوق المالية عدم افتراض أي وصاية على المتداولين والاكتفاء ببرامج التوعية وحسن التصرف والتحكم بدرجات المخاطرة. لا يوجد مضارب حسود ولا آخر ودود. المضارب شخص يسعى للربح من خلال المتاجرة بالأسهم، بيعا وشراء، مع علمه التام بأن ما يقوم به لا يخلو من مخاطرة عالية. سوق الأسهم السعودية مليئة بالمتداولين الأفراد، وما يتم يوميا من تداولات هي من نصيب الأفراد (تتجاوز النسبة اليومية 90 في المائة)، ومن الصعب جدا التحكم في حركة الأسهم دون مخاطرة عالية ودون "تعاون" جموع المتداولين في ذلك. كما أن المضاربين ليسوا جماعة واحدة، بل جماعات عديدة متنافسة، لا يعرف بعضهم البعض، ولا يستطيعون تحقيق أرباح أكثر من غيرهم بشكل متواصل.
إنشرها