Author

كم نسبة ملكية المساكن؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
ليس جديدا أن تكتشف لدينا تضاربا أو حتى ضبابية في أهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وقد سبق أن تم الحديث عن خطورة وجوده، دع عنك خطورة اتساع رقعته ليشمل أكثر من مؤشر حيوي، أو انحداره إلى مستوى أدنى تغيب فيه بالكامل أي مؤشرات. حينما تقف أمام تحديات اقتصادك ومجتمعك، ويُراد منك أن تشخص تلك التحديات، ومن ثم تقترح لها أدوات الحل، وفي الوقت ذاته تعجز عن الاعتماد على مؤشرات حقيقية وفعلية، التي تعد الأساس والأرض الصلبة التي يُفترض أن تقف عليها لأداء مهمة التشخيص ومن ثم تقديم وصفة الحل، فإنه من المحتوم أن يتعثر ويفشل تماما مشروعك التنموي، ولن يعني لك توافر الحجم الهائل من الموارد المالية أي شيء يُذكر وأنت في هذه الورطة، بل إنه يعني من جانب آخر احتمال ارتفاع حجم خسائرك وهدرك للأموال بصورة أكبر مما كنت تتصور! كشف صندوق النقد الدولي بالأمس القريب عن أن ملكية المساكن في السعودية لا تتجاوز 36 في المائة، في الوقت الذي سبق لوزير الاقتصاد والتخطيط أن أعلن منذ عدة أشهر أن النسبة تصل إلى 60 في المائة، وللعلم فإن صندوق النقد الدولي سواء في الحالة أو غيرها، يعتمد بصفة توثيقية على البيانات الرسمية الصادرة إليه من الأجهزة الرسمية في البلد العضو في الصندوق، تلك البيانات التي يتناولها بالتحليل والتقييم في تقريره السنوي لمشاورات المادة الرابعة للبلدان الأعضاء. يحدث هذا التضارب بين واحد من أهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، في نفس الوقت الذي نواجه فيه مجتمعين واحدا من أكبر التحديات التنموية الجسيمة، وفي الوقت الذي تقف في مواجهته وحيدة وزارة حديثة النشأة ممثلة في وزارة الإسكان، وفي الوقت الذي تعانق فيه أسعار الأراضي والعقارات عنان السماء، مبتعدة بأكثر من 40 عاما عن متوسطات دخول المواطنين، وفي الوقت الذي تحتل فيه مساحات التراب الخالية من كل تطوير أواسط المدن والبلدات عبر عرض البلاد وطولها، بنسب تصل إلى 60 في المائة من مساحات المدن والمحافظات، وأذهب بخيالك إلى أبعد ما يمكنك تصوره في خصوص هذا الملف التنموي المتعثر الخطى. كيف لوزارة الإسكان، أو حتى لغيرها من الجهات ذات العلاقة، أن تحقق خطوة نجاح واحدة وهي لا تعلم على أي أرض تقف؟ ولو أن الأمر يقف عند هذا المنعطف، لكان الأمر هينا بعض الشيء، غير أنه يمتد كذلك إلى مؤشرات أخرى كمعدل البطالة الذي يتأرجح تحت مظلته نحو 657 ألف عاطل وفقا لمصلحة الإحصاءات العامة، ونحو 1.6 مليون عاطل وفقا لبيانات صندوق الموارد البشرية، أي أنك تتأرجح بين معدلي بطالة 12 في المائة وآخر أكثر من ثلاثة أضعافه يبلغ 37 في المائة، وعلى الرغم من رفض استراتيجية التوظيف السعودية لطريقة المصلحة في احتساب معدل البطالة، تجد أن وزارة العمل المسؤولة عن تنفيذها لا تعتد إلا به، في الوقت ذاته تمتنع عن الاعتراف بأعداد العاطلين ونسبتهم لدى صندوقها للموارد البشرية. وكذا الحال تراه ينطبق على نسب تنفيذ مشروعات الحكومة، التي تستقطع سنويا من الميزانية العامة أكثر من الثلث، حتى تجاوزت خلال عقد مضى سقف الـ 2 تريليون ريال، ولا توجد حتى الساعة أي مؤشرات على نسب إنجازها أو تعثرها أو توقفها. هذا إضافة إلى غياب مؤشرات أسعار الأراضي والعقارات والمساكن، الذي حدث في غيابه ما حدث من تلاعب وغلاء غير مسبوق في أسعار السوق العقارية، يُنتظر أن يُرى قريبا كما أورد تقرير صندوق النقد الدولي، وأنه سيكون صادرا قبل نهاية العام الجاري وفقا لمؤسسة النقد العربي السعودي. وأضف لكل ما تقدم ذكره، غياب مؤشرات قياس الفقر والعوز بين مختلف شرائح المجتمع، التي تعاني من الغياب التام منذ نُشر آخر معدل للفقر في التقرير السنوي لوزارة الشؤون الاجتماعية في 2009. إنه أمرٌ محيرٌ جدا، أن يقف اقتصاد بحجم الاقتصاد السعودي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، وأحد أهم 20 اقتصادا حول العالم، في هذا الموقف الذي لا يُحسد عليه في غياب أو تضارب لأهم المؤشرات التنموية الخاصة به! والحديث هنا لتلك الجهات المعنية بتلك المؤشرات؛ هل من الكفاءة والموضوعية والدقة أن يتم التلاعب أو إخفاء أي من تلك المؤشرات؟ في الوقت الذي يواجه اقتصادنا تلك التحديات التنموية الجسيمة، وتحديدا في مجال التوظيف والإسكان؟ وكيف لنا أن نتجاوزها ونحن على مقدرة تامة لفعل ذلك بما يتوافر بحمد الله للبلاد من ثروات وإمكانات، لم يسبق لاقتصادنا أن حازها منذ تأسيس الدولة، أقول كيف لنا أن نتجاوزها وتلك الجهات تقصر عمدا على نشر المؤشرات التي تقيسها؟ هل تعتقد تلك الجهات الحكومية أن سياسة الإخفاء والتضليل من شأنها أن تعالج واحدا في المليون من تلك التحديات؟ وهو أمرٌ مستحيل حدوثه! ألا تعلم تلك الجهات الحكومية أن نشرها مثل تلك المؤشرات غير الحقيقية والمضللة، سيفاقم كثيرا من حجم ووطأة تلك التحديات مستقبلا؟ أسئلةٌ كثيرة جدا لا تبحث عن إجابات، بقدر ما أنها تبحث عن الجهة الحكومية المسؤولة التي يجب أن تطرحها وتبحث لها عن إجابات رسمية من تلك الجهات. هل يستطيع مجلس الشورى تحمل تلك المسؤولية الوطنية؟ أم تسطيعه هيئة مكافحة الفساد؟ أم ديوان المراقبة؟ أم المجلس الاقتصادي الأعلى؟ ما الجهة الرسمية بين تلك الجهات المذكورة، التي يفترض فيها أن تبادر بالتقصي وراء تلك الملفات المحورية الغامضة؟ والعمل ليس فقط على إيضاح الصورة الحقيقية لتلك المؤشرات، بل أيضا لفرض إجراءات وآليات محددة ينتج عنها عدم تكرار تلك الكوارث، وأن يتم نشرها كما يتطابق مع الحقائق والوقائع على الأرض دون تغيير أو تبديل أو خلافه. ليس لأي طرح إعلامي مهما بلغ ثقله، أن يجبر أيا من الجهات الحكومية المعنية بما يجري الحديث عنه هنا على الرد، أقول هذا بكل أسف وأعترف به؛ في الوقت الذي طالما وجه المقام السامي جميع الجهات الحكومية بضرورة الرد والتفاعل مع كل ما يتم طرحه عبر مختلف وسائل الإعلام. فهل ننتظر شيئا من تلك الجهات "مجلس الشورى، هيئة مكافحة الفساد، ديوان المراقبة، المجلس الاقتصادي الأعلى"، أم سيستمر الحال كما هو، نمضي في حاضرنا ومستقبلنا تحت مظلة مؤشرات إما مضللة أو غائبة؟ ومن سيتحمل الثمن الفادح لهذا التضليل في أهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في نهاية الأمر؟ والله ولي التوفيق.
إنشرها