أخبار اقتصادية

النفط الرخيص يحقق التعافي لاقتصادات الدول المضطربة .. وضغطه محدود على المنتجين

النفط الرخيص يحقق التعافي لاقتصادات الدول المضطربة .. وضغطه محدود على المنتجين

يبدو أن تراجع أسعار النفط الخام هو أفضل دواء للاقتصادات غير النفطية في العالم العربي، حيث يعمل ذلك على إعادة توازن النمو باتجاه البلدان التي تعاني من أجل التعافي من آثار انتفاضات الربيع العربي دون إحداث ضرر كبير لبلدان الخليج المصدرة للنفط. فقد هبط سعر برميل النفط بنحو 20 دولارا من سعره المرتفع الذي سجله في تموز (يوليو) الماضي، ووصل إلى سعر متدن بحدود 96 دولارا في الأسابيع الأخيرة، وهو أدنى مستوى له منذ منتصف عام 2012. وتقف وراء التراجع الأخير في الأسعار مجموعة من البيانات الاقتصادية غير القوية من أكبر البلدان المستهلكة للنفط، مثل الصين، وآفاق متوسعة للعرض، وهو ما يشير إلى مزيد من تراجع الأسعار خلال السنتين المقبلتين. ربما ينطوي هذا على أكبر تحول في اقتصادات بلدان الخليج العربي منذ الأزمة المالية العالمية قبل خمس سنوات، لكن الاحتياطيات المالية الهائلة التي أنشأتها تلك البدان منذ الأزمة تعني أن من المرجح لها أن تتكيف بصورة مريحة مع سعر منخفض للنفط الخام. سيكون النفط الخام الرخيص بشرى سارة بالنسبة للاقتصادات العربية الضعيفة التي لا تزال تحاول التعافي من التداعيات السياسية للثورات التي وقعت في المنطقة في عام 2011، والتراجع الاقتصادي في أوروبا، الذي عمل على توسيع العجز الخارجي لهذه البلدان. وتشير التقديرات إلى أن مصر والمغرب وتونس والأردن ولبنان ستتمتع بتخفيض سنوي مقداره أربعة مليارات دولار في إجمالي فواتير النفط الخام مقابل كل تراجع بمعدل عشرة دولارات في السعر على أساس مستدام. وتراجع سعر خام برنت إلى مستوى متدن، وصل إلى حد 88 دولارا للبرميل في منتصف عام 2012، قبل أن يتعافى بسرعة إلى فوق مستوى 100 دولار للبرميل. إذا استدام الهبوط الحالي في الأسعار لفترة طويلة، فإن بلدان الخليج العربي هي أكثر عرضة للتقلبات من أي فترة سابقة، على اعتبار أن الزيادات السريعة في الإنفاق من الدول بهدف تخفيف التوترات الاجتماعية منذ الربيع العربي رفعت أسعار النفط، الذي تحتاجه هذه البلدان لموازنة الميزانيات الحكومية. لكن بالنسبة لبلدان الخليج الكبيرة، فإن نقاط التعادل المذكورة لا تزال بعيدة عن الأسعار الحالية للنفط الخام. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنه في عام 2015 ستكون نقطة التعادل بالنسبة للسعودية هي 90.70 دولارا للبرميل، بعد أن كانت 73.60 دولار في عام 2009. وتواجه الإمارات نقطة تعادل عند السعر 73.30 دولار، والكويت 53.60 دولار، وقطر 77.60 دولار. ويرى مختصون غربيون أنه من الممكن أن تهبط أسعار النفط مرة أخرى بنسبة 10 في المائة من السعر الحالي لتصل إلى 90 دولارا أو أدنى قليلاً، وأن تبقى عند هذه المستويات، دون التسبب في أي أذى كبير لمالية معظم بلدان مجلس التعاون الخليجي، وكل ما في الأمر أن معظمها سيتمتع حتى بقدر من الفائض في المالية العامة يقل عن المعدلات التي كانت سائدة في السنوات الأخيرة. ويستثنى من ذلك دولتان صغيرتان لا يتوافر فيهما النفط الخام بالكميات الموجودة في الدول الأخرى: البحرين التي تقدر نقطة التعادل بالنسبة إليها 116.40 دولار للبرميل في السنة المقبلة، تعاني منذ الآن من عجز في الميزانية، وسترتفع أرقام العجز أكثر من قبل. ومن المتوقع أن تواجه عُمان بنقطة تعادل عند سعر 107.50 دولار للبرميل، وهو ما سيدفعها مرة أخرى إلى أسواق الدين الدولية في السنة المقبلة للمرة الأولى منذ عام 1997. هذان البلدان يعتبران صغيرين، ولأسباب تتعلق بالجغرافيا السياسية يستطيعان الاعتماد على مساعدة مالية قوية من بقية بلدان الخليج إذا دعت الحاجة لذلك. وبالتالي فلا يعتبر أي منهما نقطة إنذار على حدوث أزمة. وقال فابيو سكاكيافيلاني، كبير الاقتصاديين في صندوق عمان الاستثماري، "إنه لا يتوقع تعديلات كبيرة في ميزانيات بلدان الخليج بسبب النفط الرخيص في عام 2015". وقال، "إذا استمر هذا الضعف، فربما نشهد بعض الحصافة في ميزانية عام 2016. لكننا لا نتحدث عن تخفيضات ضخمة في الاستثمار". لكن إذا تراجع سعر النفط ليصل إلى نحو 80 دولارا للبرميل على أساس مستدام، عندها فقط، حسب اعتقاد كثير من الاقتصاديين، تبدأ بلدان الخليج الغنية بتقليص الإنفاق الذي تقوم عليه معدلات النمو الاقتصادي بحدود 4 في المائة.وحتى في هذه الحالة، فإن هذه البلدان لن تواجه الكارثة. نتيجة لأسعار الخام المرتفعة على مدى السنوات الأربع الماضية، استطاعت بلدان الخليج أن تبني احتياطيات مالية ضخمة. ففي عام 2013 بلغت احتياطيات بلدان الخليج 881 مليار دولار، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، في حين إن صناديق الثروة السيادية والأدوات الاستثمارية الأخرى المملوكة للدولة في هذه البلدان تضيف 1.7 تريليون دولار إلى مقدار الوقاية المالية، حسب تقديرات معهد صناديق الثروة السيادية. وقال مدير المجموعة السيادية لدى وكالة فيتش للتقييم الائتماني "إذا استدام سعر البرميل عند 80 دولارا، فإن من شأن هذا أن يؤثر في سياسة المالية العامة عبر بلدان المنطقة، وسيكون ذلك على الأرجح عن طريق تخفيض مستوى الإنفاق الرأسمالي". "لكن كثيرا من خطط الإنفاق الرأسمالي في السعودية سيتم تمويلها من خلال السحب التدريجي للودائع في المصارف المحلية، ولذلك لن تتأثر". بسبب انخفاض مستوى الدَّين العام في السعودية، الذي كان في السنة الماضية بنسبة 2.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، تستطيع بلدان الخليج أيضا أن تبدأ بتمويل مبالغ عجز متواضعة في الميزانية من خلال أسواق الدَّين، وهو أمر تقوم به أصلا معظم البلدان الأخرى. وحين هوى سعر النفط إلى ما دون 40 دولارا في عام 2008، أضر ذلك كثيرا باقتصادات بلدان الخليج، وهو ما دفع بدولتي الإمارات والكويت إلى الدخول في ركود اقتصادي، وكاد أن يفعل الشيء نفسه للسعودية. لكن هذا الهبوط كان في سياق أسوأ أزمة مالية عالمية تحدث منذ أجيال، وليس هناك من يتوقع أن تتكرر هذه الأزمة مرة أخرى. إن المدى الذي تستطيع من خلاله الأسواق المالية في الخليج ألا تتأثر بإمكانية انخفاض أسعار النفط الخام يمكن أن نشاهده في العقود الآجلة لمدة سنة في تعاملات الدولار مقابل الريال السعودي، التي تستخدم في الغالب للتحوط ضد المخاطر في المنطقة. في عام 2008 حلقت هذه العقود الآجلة إلى مستويات عالية حين انخفض سعر النفط، وارتفعت بحدة بعد انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، وهو ما يبين أن بعض المستثمرين شعروا بالخوف من حدوث ضغط على ربط الريال السعودي بالدولار. هذا العام لم تكد أسعار العقود تشهد تحركا يذكر. بالنسبة للمستثمرين الدوليين الذين ينظرون عبر الشرق الأوسط، فإن التراجع المتواضع في النمو الاقتصادي في الخليج نتيجة لانخفاض أسعار النفط يمكن أن يتم التعوي ض عنه إلى حد كبير من خلال التحسن في آفاق الاقتصادات الضعيفة في شمال إفريقيا ومنطقة بلاد الشام. والسبب في ذلك هو أن النمو القوي في البلدان الضعيفة من شأنه أن يساعد في تعزيز الاستقرار السياسي في هذه البلدان، على نحو يجعل من السهل التحول نحو الحكم الديمقراطي الذي بدأ بمساعدة "الربيع العربي". وربما يقوم المستثمرون الأجانب بصب مليارات الدولارات في هذه البلدان إذا اقتنعوا بأن المخاطر السياسية في حالة تراجع. تشير التقديرات إلى أنه إذا بقيت أسعار النفط الخام عند مستوياتها المتراجعة الحالية على مدى السنة المقبلة، فإن هذا سيعمل على تقليص فاتورة واردات النفط لكل من مصر والمغرب وتونس والأردن ولبنان بما نسبته 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي تقريبا. التعزيز الذي ينتج عن ذلك في النمو يمكن أن يساعد في خلق مئات الآلاف من الوظائف الجديدة. ففي الربع الثاني سجلت مصر نموا بنسبة 3.5 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي عن السنة السابقة، ومن المتوقع رسميا ألا يسجل الاقتصاد التونسي نموا بأكثر من 2.5 في المائة في عام 2014.كما أن التسارع من 1 إلى 2 في المائة بفضل تراجع أسعار النفط الخام يمكن أن يرفع مستويات النمو إلى 5 في المائة أو أكثر، وهي المستويات التي يعتقد المحللون أن الحاجة تدعو إليها من أجل تقليص المعدلات الضخمة من البطالة بين الشباب، وهي التي أشعلت فتيل انتفاضات الربيع العربي. لكن هناك خطرا يراه كثير من الاقتصاديين في تراجع أسعار النفط، وهو أنها يمكن أن تضغط على الحكومات من أجل إصلاح أنظمة الدعم الحكومي المكلفة التي تميل إلى هدر الموارد، وهي الأنظمة المقدمة للمساعدة في تكاليف الوقود والمواد الغذائية، التي تشوه اقتصاداتها. وفي المغرب وتونس ومصر، هناك توقعات بعجز هائل في ميزانياتها في السنه المالية الحالية يصل إلى 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بدأت جميعا بإصلاح أنظمة الدعم الحكومي. إذا كانت أسعار النفط الرخيصة تجعل من السهل إدارة أنظمة الدعم، فإن الحاجة إلى الإصلاح يمكن أن تختفي. ستساعد أسعار النفط المنخفضة على تقديم العون لواردات المنطقة، ولكن ليس إلى الحد الذي يجعلها تخفف الحاجة إلى إصلاح نظام الدعم الحكومي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية