Author

.. وطار اسمي

|
كان الإعلان يخرج متكرراً هكذا: تدعوكم مكتبة الملك عبد العزيز لحضور ندوة الوطنية والمسؤولية الاجتماعية. المتحدثون هم: ـــ الدكتورة فاطمة القرني عضو مجلس الشورى ـــ اللواء عبد الله السعدون عضو مجلس الشورى ـــ نجيب الزامل ثم صار يخرج الإعلان من الأمس هكذا: المتحدثون هم: ـــ اللواء عبد الله السعدون ـــ الدكتورة فاطمة القرني بس .. وكان محزنا أن يطيرَ اسمي. محزنٌ جدا. المحزن أني أحب الدكتور فهد العليان. أبو علي من أكثر الشخصيات رقة ودماثة وذكاء، ويعرف أني "مش مضبوط" فهاتفني قبل ثلاثة أشهر ليجعلني أرتبط بهذا التاريخ، تاريخ اليوم، وكان لا بد أن يضيفَ بتلقائيته الجميلة وفيها مكر الذكاء التوقعي: "أرجو ألا ترتبط أو تعتذر". طبعا كان الوقت كافيا ومرحرحا .. فتعجبت أن يلح على شيء واضح، فالرؤية متسعة لـ 90 يوما. والمحزن أني أحب مكتبة الملك عبد العزيز وأتطلع دوما متشرفاً أن أكون ضمن مناسباتها العديدة. والمحزن أن يحذف اسمي وكان بجانب صديقي وأستاذي عبد الله السعدون، وبجانب الدكتورة النابهة فاطمة القرني .. وكنت بهما من المتباهين. المفرح الذي منعني من الحضور في آخر لحظة أمر صارم من والدتي بالرجوع لظرف أسري مفاجئ ومفرح والحمد لله، ولكن لا يمكن التخلف عنه. أؤمن بأنك إن أعطيت أحدا موعدا، فالوقت صار ملكه وليس ملكك، فاستأذنت الدكتور فهد الذي حار كثيرا ولكن قال لي جملةً دفعتني للمضي للأمر الأسري، قال: "أنا أقدم أسرتي على أي شيء" فأخذته ضوءا أخضر بالسماح .. مع درس لن أنساه من أبي علي. كنت أود طرح مسألة أتكلم عنها هذه الأيام بكثرة، وهي الذكاء المعرفي الإنساني. والذكاء المعرفي الإنساني استنبطته من علوم الإنسان وحضارته وتاريخه .. ووجدت أن كل الحروب منذ بدء أول حرب مسجلة بتاريخ المعارك والصراعات، تبدأ من سوء الفهم، وليس من سوء الفهم فحسب، بل بعدم معرفة الآخر طباعا وسلوكا. فقبائل هاواي ترحب بالناس بقلائد الورد، وبعض قبائل الهوسا في غرب إفريقيا ترحب بالناس بطعنهم قليلا في بطونهم بالرماح. طبعا من لا يقرأ ولا يعرف عن الهوسا سيعتقد أنهم يريدون حربا علنية معه، ولو كان معه بندق لأطلق عليهم الرصاص. كل الحروب قامت كردة أفعال غاضبة، لأن أحدا لم يسأل: لماذا؟ أي لماذا مددت لسانك علي ــــ فبعض أهل التبت يسلمون عليك بحرارة وتقدير بمدّ اللسان، تصور لو جاءك واحد منهم، وأنت ما عندك من الشيطان طريق، وطل بوجهك ودلـَع كل لسانه أمامك - أظن ستشتعل حرب بينكما، بينما هو يريد أن يقول لك: أهلا أنا أحترمك. ليس مجتمعنا فقط ضيق في مسألة المعرفة الإنسانية التي تجعلك تضع نفسك مكان الآخر لتفهمه جيدا قبل أن تحكم عليه .. بأمريكا تبدو أكبر، لما مد زعيم عربي كبير يده ليد الرئيس بوش وسار معه كعلامة ترحيب وأخوة، فهمها الإعلام الفقير بالمعرفة الإنسانية بمفهومهم الضيق الذي لا يراها كذلك .. فحكم على المشهد ولم يحكم على معرفة السبب. لكن أمريكا لأهلها، ويهمنا أهلنا هنا في بلدنا، أجد هذه المعرفة الإنسانية وأسميه الذكاء الإنساني حلا ممكنا لضيق ممراتنا الفكرية القبلية والطائفة والجهوية .. أو أني أتمناه حلا!
إنشرها